الحبش وأنزل بهم خسائر كبيرة، واضطهد النصارى وعذبهم. فحمل النجاشي على إرسال حملة جديدة عليه نزلت اليمن سنة "525" للميلاد. وصارت في أيدي الحبش حتى سنة "530" للميلاد. إذ قامت ثورة على الحبشة، وانتهز "أبرهة" الفرصة، فأخذ الأمر بيديه، وبقي حاكمًا على اليمن منذ هذا الوقت تقريبًا حتى سنة "575" للميلاد. وكان قد انتزع الحكم من "السميفع أشوع"، الذي نصبه الحبش ملكًا على اليمن حين دخولهم إليها وعينوا رجلين من الحبش يحكمان معه ويراقبان أعماله لئلا يقوم بعمل يضر مصالحهم1.
ولأهل الأخبار روايات عن كيفية استئثار "أبرهة" بالحكم واغتصابه له.
لهم رواية تقول: إنه جاء إلى اليمن جنديًّا من جنود القائد الحبش "أرياط" الذي كلفه نجاشي الحبشة بفتح اليمن، فلما أقام باليمن سنين، نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشي، حتى تفرقت الحبشة، وخرج أبرهة على طاعة قائده، ثم غدر به وأخذ مكانه2. ورواية أخرى، تقول إن النجاشي أرسل جيشًا قوامه سبعون ألفًا، جعل عليه قائدين، أحدهما: أبرهة الأشرم3. فلما ركب ذو نواس فرسه واعترض البحر فاقتحمه وهلك به، نصب أبرهة نفسه ملكًا على اليمن، ولم يرسل له شيئًا، فغضب النجاشي ووجه إليه جيشًا عليه رجل من أصحابه، يقال له أرياط، فلما حل بساحته، بعث إليه أبرهة: "أنه يجمعني وإياك البلاد والدين، والواجب علي وعليك أن ننظر لأهل بلادنا وديننا ممن معي ومعك، فإن شئت فبارزني، فأينا ظفر بصاحبه كان الملك له، ولم يقتل الحبشة فيما بيننا".
فرضي بذلك أرياط، وأجمع أبرهة على المكر به، فاتعدا موضعًا يلتقيان به، وأكمن أبرهة لأرياط عبدًا يقال له: "أرنجده، في وهدة قريب من الموضع الذي التقيا فيه، فلما التقيا سبق أرياط فزرق أبرهة بحربته، فزالت الحربة عن رأسه وشرمت أنفه، فسمي الأشرم، ونهض أرنجده من الحفرة، فزرق أرياط فأنفذه، فقتله"4. وأخذ أبرهة الحكم لنفسه، واستأثر به.