بثأره من عدي بن زيد، فكان يقول له: "أما إذا لم تظفر، فلا تعجزن أن تطلق بثأرك من هذا المعدي الذي فعل بك ما فعل، فقد كانت أخبرك أن معدًّا لا ينام كيدها"1. وعدي من تميم، وتميم من معد.

وهناك روايات أخرى في أسباب غضب النعمان على عدي وحبسه له في الصنين لا تخرج في جملتها عن حدود هذه المنافسة التي دبرها عدي بن مرينا وخصوم عدي له، ولكنها تجمع كلها على قتل النعمان لعدي2.

وفي كتاب الأغاني رواية تذكر أن النعمان أرسل ذات يوم إلى عدي بن زيد أن يأتيه، فأبى أن يأتيه، ثم أعاد رسوله فأبى أن يأتيه، وقد كان النعمان شرب، وأمر به فسحب من منزله حتى انتهى به إليه، فحبسه في الصنين بظاهر الكوفة من منازل المنذر، وبه نهر ومزارع، وبقي هناك حتى لاقى حتفه3.

ويظهر من شعر ينسب إلى عدي، قاله لابنته يوم باتت عنده مع أمها في السجن، وهي جويرية صغيرة، إن النعمان كان قد أمر بوضع الغل في يديه4.

والقصة كما يرويها الأخباريون قصة طريفة تصلح أن تكون موضوعًا لشريط سينمائي اختلط فيها التأريخ بالخيال، والواقع بالإبداع. أما نحن فلا يهمنا من أمرها إلا النتيجة، وهي أن الفرس قبضوا على النعمان ملك الحيرة وسجنوه، وأن حادثًا وقع بعد ذلك كان وقعه عظيمًا في نفوس العرب، لا في العراق وحده، إنما دوى صداه إلى جميع جزيرة العرب كلها، هو حادث وقعة ذي قار، وهي من الوقائع الفاصلة في تأريخ الجزيرة كان لها أثر في فتح الإسلام للعراق.

وندم النعمان كما يقول الأخباريون على ما صنع، واجترأ أعداء عدي عليه، وهابهم هيبة شديدة. وبينما كان يومًا في صيده، إذ به يشاهد غلامًا ظريفًا ذكيًّا ففرح به فرحًا شديدًا. فلما عرف أنه زيد وأنه ابن من أبناء عدي، قربه وأعطاه وحباه، ثم أرسله إلى كسرى، وكتب معه كتاب توصية رقيقة يشير فيه إلى منزلة عدي منه وإلى خسارته بوفاته وإلى عظم المصيبة، ويوصي كسرى بالولد خيرًا. فلما وصل زيد إلى كسرى، جعله مكان أبيه وصرف عمه إلى عمل آخر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015