هذا ما يخص التوراة، أما "التمود"؛ فقد قصدت بلفظة "عرب" و "عريم" "arbim" "عربئيم" "arbi'im" الأعراب كذلك، أي المعنى نفسه الذي ورد في الأسفار القديمة، وجعلت لفظة "عربي" مرادفة لكلمة "إسماعيل" في بعض المواضع1.
وقبل أن أنتقل من البحث في مدلول لفظه "عرب" عند العبرانيين إلى البحث في مدلولها عند اليونان، أود أن أشير إلى أن العبرانيين كانوا إذا تحدثوا عن أهل المدر، أي الحضر ذكروهم بأسمائهم. وفي سلاسل النسب الواردة في التوراة، أمثلة كثيرة لهذا النوع، سوف أتحدث عنها.
وأول من ذكر العرب من اليونان هو "أسكيلوس، أسخيلوس" "أشيلس" "أخيلوس" "صلى الله عليه وسلمeschylus"، "525- 456 قبل الميلاد" من أهل الأخبار منهم، ذكرهم في كلامه على جيش "أحشويرش" "xerxes"، وقال: إنه كان في جيشه ضابط عربي من الرؤساء مشهور2. ثم تلاه "هيرودوتس" شيخ المؤرخين "نحو 484- 425 قبل الميلاد،؛ فتحدث في مواضيع من تأريخه عن العرب حديثًا يظهر منه أنه كان على شيء من العلم بهم. وقد أطلق لفظة "arabae" على بلاد العرب، البادية وجزيرة العرب والأرضين الواقعة إلى الشرق من نهر النيل3؛ فأدخل "طور سيناء" وما بعدها إلى ضفاف النيل في بلاد العرب.
فلفظة "العربية" "arabae" عند اليونان والرومان، هي في معنى "بلاد العرب". وقد شملت جزيرة العرب وبادية الشام. وسكانها هم عرب على اختلاف لغاتهم ولهجاتهم، على سبيل التغليب؛ لاعتقادهم أن البداوة كانت هي الغالبة على هذه الأرضين؛ فأطلقوها من ثم على الأرضين المذكورة.
وتدل المعلومات الواردة في كتب اليونان واللاتين المؤلفة بعد "هيرودوتس" على تحسن وتقدم في معارفهم عن بلاد العرب، وعلى أن حدودها قد توسعت في مداركهم فشملت البادية وجزيرة العرب وطور سيناء في أغلب الأحيان؛ فصارت لفظة "arabae" عندهم علمًا على الأرضين المأهولة بالعرب والتي تتغلب عليها