أما ما زعمه أهل الأخبار في معنى تنوخ، فقد أشرت مرارًا إلى جنوح الأخباريين إلى أمثال هذه التفاسير، حين ترسو سفينة علمهم على شاطئ الجهل بالأشياء. وما تنوخ في نظري إلا "Tanueitae" "Thanuitae" القبيلة
التي ذكرها "بطلميوس" في جملة القبائل التي كانت في أيامه1. وهي وإن كانت في جغرافيته في مواضع بعيدة عن الحيرة غير أن ذلك لا يمنع من انتقال بطون منها إلى الحيرة وبادية الشأم وإقامتها فيها، وهو حادث مألوف ليس بغريب، أو أنها كانت في هذه المواضع في أيام "بطلميوس" كما كانت بطون منها تقيم في المواضع التي ذكرها أو أنه أخطأ في تعيين مواضعها الصحيحة فظن أنها حيث وضعها من الأماكن، وهو أمر ليس وقوعه من الكتاب في الزمن الحاضر بغريب، فكيف بالنسبة إلى تلك الأيام.
فتنوخ إذن على الوصف المتقدم، هم أعراب الحيرة، لا حضرها وأهل مدرها، وكانوا يعيشون في أطرافها وحولها، في بيوت الشعر والمظال، على نقيض "العباديين". وقد تبين من بعض الموارد أن بطونًا من تنوخ نزلت أرضين تابعة للروم2.
وأما العباد، فهم الذين سكنوا رقعة الحيرة فابتنوا بها، فهم حضر مستقرون3. ويقول معظم الأخباريين أنهم كانوا على دين المسيح. ويقول بعضهم: إنهم قبائل شتى من بطون العرب، اجتمعوا على النصرانية، والنسبة إليهم عبادي4. وذهب بعض إلى أنهم بطن في جزيلة من لخم5. وخالف فريق فذهبوا إلى أنهم كانوا من قبائل شتى انفردوا من الناس في قصور ابتنوها لنفوسهم ظاهر الحيرة6. وأنهم دانوا لأردشير7.
ونسبهم بعض أهل الأخبار إلى "بني عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة