وكانت قوافل "تدمر" تتاجر مع هذه المدينة العراقية "ألجاشيا"، تحمل إليها بضائع الشأم وسواحل البحر المتوسط، وتنقل منها إلى "تدمر" بضائع الهند وإيران والخليج والعراق. يقود هذه القوافل زعماء شجعان خبروا الطرق وعرفوها معرفة جيدة، ولهم في المدينة مقام محترم. وطالما عمل لهم رجال القافلة والمساهمون في أموالها، التماثيل، تقديرًا لهم وتخليدًا لأسمائهم وكتبوا شكرهم لهم على الحجارة، ولدينا نماذج عديدة منها، من ذلك كتابة دونها رجال قافلة لزعيمهم وقائدهم "يوليوس أورليوس زبيد بن مقيمو بن زبيدا عشتور بيدا"؛ لأنه أحسن إليهم حين قاد قافلتهم وأوصلها سالمة إلى "الجاشيا" في العراق. وكتابة أخرى دونها جماعة قافلة تولى قيادتها زعيم اسمه "نسي بن حالا" لمناسبة توفيقه في حمايتهم وحماية أموالهم في أثناء ذهابهم وعودتهم إلى "الفرات" وإلى "ألجيسيا" "Ologesia" وقد صنعوا لذلك تمثالًا له في شهر "نيسان" من سنة "142" للميلاد تخليدًا لاسمه1.
وقد استولى "خسرو" الأول في حوالي سنة "540" بعد الميلاد على "زنوبية" فدمرها. فلما استرجعها "يوسطنيانوس" "جستنيانوس" "Justinianus" "527-565 م"، أعاد بناء ما تهدم منها. وقد عثر على بقايا المباني التي تعود إلى أيامه، وبعضها من عمل معماريه "يوحنا البيزنطي" و"أزيدوروس الملطي" "Isidoros Miletus" حفيد البناء البيزنطي الشهير "أيا صوفيا" "Hagia Sophia" كلفهما القيصر إنشاء تلك العمارات2. غير أن إصلاحات هذا القيصر لم تضف إلى حياة المدينة عمرًا طويلًا، لقد كانت نوعًا من أنواع الحقن المقوية تقوم الجسم إلى حين ولكنها لا تمنحه الأبدية. ففي سنة "610" للميلاد. وفي أيام القيصر "فوقاس" "Phokas" هاجمها "خسرو" الثاني وأنزل فيها الخراب والدمار3. فقد عبر "شهربراز" "Shahrvaraz" نهر الفرات في اليوم السادس من شهر "أغسطس" من عام "610" للميلاد، واستولى على مدينة "زنوبية" "Zenobia"4. وأخذ نجمها منذ ذلك الحين في الأفول، فلم يسمع