آخر مكان يصل إليه تجار أهل مكة في الغالب في الشمال. يقيمون فيه، يبيعون ويشترون ويدفعون للروم العشور، وهي الضرائب المتعارف عليها إذ ذاك، ثم يعودون إلى ديارهم، ومعهم ما اشتروه من تجارات بلاد الشأم، من طرف مصنوع في هذه البلاد، أو مستورد إليها من بلاد الروم ومن أوروبا، ومن سلع حية هي الرقيق الذي يباع في سوق بصرى، وقد استورد إليها من مختلف الأنحاء.
وتعرف بصرى بـرضي الله عنهostra عند الرومان واليونان1, ولأهميتها الحربية والسياسية والتجارية كان يقيم بها حاكم روماني، ثم حكمها حكام من اليونان بعد انتقالها إلى حكم اليونان، كما وضعوا بها حاميات بيزنطية؛ وذلك لقربها من الأعراب وللدفاع عن الحدود المهددة بهجوم أبناء البادية عليها. وقد أُصيبت بخسائر جسيمة ونزل بها خراب شديد على أثر مهاجمة الفرس لبلاد الشأم واستيلائهم عليها، فتهدم قسم كبير من أبنيتها، كما تهدم قسم من أبنية "أذرعات" وذلك سنة "613م"2.
و"بصرى" هي الآن قرية مهملة من قرى حوران، ولا تزال بها بقية قائمة من آثار, وقد ورد ذكرها في سيرة الرسول، حيث كان قد نزل بها مع عمه "أبي طالب" حينما قدمها عمه للاتجار. وذكر أن "بحيرا" الراهب الذي يرد اسمه في كتب السير، كان من رهبان بصرى، وقد كان يقيم في دير هناك.
وكانت "غزة" من المواضع الأخرى المهمة عند أهل مكة ويثرب؛ لأنها كانت المورد الأخير لتجار هاتين المدينتين على البحر الأبيض. وكانت من المواضع التابعة للروم, ترد إليها السفن الواردة من بلاد الروم وموانئ إيطالية ومصر ولبنان، فتفرغ ما لديها من تجارة ويشتري أصحابها ما يجدون في غزة من أموال؛ ولهذا صارت فرضة مهمة لتجار أهل الحجاز.
ومن سادات القبائل الذين انتقلوا من أرض كانت خاضعة للساسانيين إلى أرض كانت تابعة للبيزنطيين, سيد قبيلة ذكره "ملخوس الفيلادلفي" Malchus