وقد كان الأعراب هم الوحيدين الذين في استطاعتهم حماية الطرق البرية الممتدة بين العالم المتحضر القديم: العراق وبلاد الشأم، فهم وحدهم سادة البوادي، وفي أيديهم "إكسير الحياة" الماء؛ لهم آبار أو عيون، و"صهاريج" سرية يخزنون فيها الماء. ولهم مخازن احتياطية مملوءة بهذه المادة الثمينة الضرورية للحياة، يملئونها من أماكن قد تكون بعيدة عنهم، ثم يحملونها معهم حيث ذهبوا، وإلى منازلهم. وهي قِرَبٌ كبيرة يصنعونها من الجلد، تمونهم بالماء، وتمون القوافل المارة بهم بما يحتاجون إليه وبما يكفيهم للتنقل من منزل إلى منزل آخر. وقد أطلق اليونان على أكثر هؤلاء اسمScentitae = Skenitai، بمعنى الساكنين في الخيام؛ لأن "السكينة"Skenai = Skynai معناها الخيمة والبيت، وهي تقابل لفظة "سكوت" "سكوث" Sukkot في العبرانية، التي تعني الخيمة والبيت أيضًا1.
والـ"سكينيتة" Skenitai، هم كما قلت أهل الخيام، الخيام المصنوعة خاصة من شعر المعز2، وهم أعراب يقطنون البادية وطرفي العراق والشأم، تمتد منازلهم في بلاد الشأم حتى تبلغ الخط الممتد بين صلى الله عليه وسلمuropus وThapascus في الشمال على رأي "بلينيوس"3, وتمتد في الغرب حتى تبلغ حدود صلى الله عليه وسلمpamea على رأي "سترابون". أما حدود مجالات هؤلاء الأعراب من الشرق، فتمتد من أعالي الفرات حتى تبلغ ملتقاه بدجلة في الجنوب على رأي "سترابون" كذلك4. ويفصلهم النهر عن منازل قبيلة "أتالي" صلى الله عليه وسلمthali في كورة5 Characene.
وذكر "سترابو" أن سادات "سكان الخيام" كانوا يجبون الضرائب من التجار في أثناء مرورهم بمناطق نفوذهم، وكان بعضهم يشتط عليهم فيتقاضى منهم ضرائب عالية، ولا سيما أولئك الذين ينزلون على ضفتي النهر، فتجنب التجار المرور بمناطقهم، ومنهم من كان يتساهل فيعاملهم بلطف ورعاية6. وذكر أيضا أن الرومان وسادات الأعراب كانوا يسيطرون على الجانب الغربي للفرات