فلا يتكلفن ذلك فيعطب1. ونسبوا إليه فتح الحبشة، وإرسال العساكر إلى أرض "الروم بني الأصفر"، وملكهم يومئذ "باهان بن سحور بن مدين بن روم بن أسطوم بن روم بن ناطس بن سامك بن رومي بن عيص، وهو الأصفر بن يعقوب"، وذكروا أنه غلب على أرض الترك، وسار إلى التبت والصين وأرض الهند. فلما بلغ "نهاوند" و"دينور"، مات بها, فدفنه ابنه "شمر" في ديار الغربة، وولي الملك بعده2.
وأبت قرائح أهل الأخبار إلا أن تضيف إلى "ناشر النعم" شعرًا، فيه فخر وفيه حماسة، زعمت أنه قاله3. وأضافت إلى ابنه شعرًا، زعمت أنه قاله في رثاء أبيه, ولم تنسَ هذه القرائح أن تأتي بنماذج من كلامه العربي العذب؛ لترينا أنه كسائر ملوك اليمن يتكلم بلسان عربي مبين4.
أما نحن، فلا نعلم شيئًا من أمر هذه الفتوح والغزوات، ولا من أمر هذا المنظوم أو المنثور, وإنما الذي نعرفه أنه كان يسمى "ياسر يهنعم"، لا "ناشر النعم" كما جعله الأخباريون، وأنه عاش في القرن الثالث للميلاد، وبينه وبين سليمان مئات من السنين، وأنه لا يمكن أن يكون قد خلف "بلقيس" معاصرة "سليمان" على حد زعم أهل الأخبار، ولا أن يكون قد انتزع الملك من "سليمان", ولا أن يكون صاحب فضل ونعمة على حمير؛ لأنه أنقذهم من حكم "سليمان". وكل ما في الأمر أن الاسم كان بالنسبة إلى أهل الأخبار غريبًا، فصيروه "ناشر النعم"، وابتكروا له قصصًا في تفسير معنى ذلك الاسم.
وإذا كان حكم "ياسر يهنعم" في النصف الثاني من القرن الثالث للميلاد، فإنه يكون من المعاصرين لمملكة "تدمر"، وربما كان قد عاصر الملكة الشهيرة "الزباء"5، وأدرك أيام سادات الحيرة أول مؤسسي أسرة لخم. وقد قدر بعض الباحثين في العربيات الجنوبية زمان حكم "ياسر يهنعم" بأوائل النصف الأول من