فتكًا، وأحلت الهلاك بالمزارع والحقول وبالمدن, فردمت آبار، عاشت عليها الزراعة والقرى والمدن، واقتلعت الأشجار، وأتلفت الحقول والمزارع، وأُوذيت مجاري المياه التي تسقيها، وخُربت مدن، وأُعمِل في أهلها السيف، أو سِيقوا أسرى، ووضعٌ على هذا النحو لا بد أن يخلق تعاسةً وبؤسًا، ويؤثر في الوضع العام بجملته تأثيرًا سيئًا، يصير إرثًا ينتقل إلى الطبيعة الجديدة1.
وقد لاحظ "ريكمنس" J. Ryckmans أن هذا الاقتتال وهذا النظام الإقطاعي يصادف زمن حلول الخيل محل الجمل في القتال في أواسط جزيرة العرب وجنوبيِّها، كما لاحظ W. عز وجلostal أن جيوش العربية الجنوبية استعملت سروجا جيدة لدوابها التي تحارب عليها، وأن قبائل أواسط جزيرة العرب حسنت من أنظمتها وكفاءتها في القتال؛ مما أكسبها قدرة في الغزو بسرعة والانتقال من مكان إلى مكان في مدة قصيرة، فأكسبها شأنا عسكريا وسياسيا؛ فأثر كل ذلك في السياسة العامة للجزيرة، إذ لم تبقَ القوى العسكرية محصورة في مناطق الزراعة في هضاب جنوب جزيرة العرب، وإنما انتقلت إلى بقية أنحاء جزيرة العرب؛ إلى مواضع الآبار والرياض والعيون حيث تركزت الزراعة كما حدث في يثرب وفي الطائف وفي أماكن زراعية أخرى، أو إلى مواضع تقع على طرق قوافل مثل مكة، أهلتها لأن تختص بالتجارة، وأن تنال مكانة بها2.
لقد وضع "جامه" حكم "الشرح يحضب" مع أخيه "يأزل بين"، إذ كانا يحكمان حكمًا مشتركًا في حوالي السنة الخمسين قبل الميلاد، وجعل نهاية هذا الحكم المزدوج حوالي السنة الثلاثين قبل الميلاد، حيث حكم "الشرح" حكمًا منفردًا لا يشاركه فيه أحد. وقد دام هذا العهد إلى حوالي السنة العشرين قبل الميلاد أو بعدها بقليل3.
وإذا جارينا رأي "جامه" المتقدم، ورأي الباحثين الذين ذهبوا إلى أن حكم "الشرح يحضب" كان في النصف الأخير من القرن الأول قبل الميلاد، وفي