وعلم "الهمداني" بجغرافية اليمن والعربية الجنوبية، يفوق كثيرًا علمه بتأريخ هذه الأرضين القديم؛ فقد خبّر أكثرها بنفسه وسافر فيها، فاكتسب علمه بالتجربة. أما علمه بجغرافية الأقسام الشمالية من جزيرة العرب، فإنه دوّن هذا العلم1.

وأفادت "القصيدة الحميرية"، لصاحبها "نشوان بن سعيد الحميري" فائدة لا بأس بها في تدوين تأريخ اليمن2. ولهذا المؤلف معجم سمّاه "شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم"3، ضمنه ألفاظًا خاصة بعرب الجنوب4. وينطبق ما قلته في الهمداني على نشوان أيضًا. فإذا قرأت كتبه، تشعر أنه لم يكن يفهم النصوص الحميرية ولا غيرها، وإن كان يحسن قراءة المسند. وما ذكره في كتابه "شمس العلوم" -وإن دل على حرص على جمع المعلومات، وعلى تتبع يحمد عليه للبحث عن تأريخ اليمن ولغاتها القديمة- يدل على أنه لم يكن يفهم نصوص المسند، وليس له علم بتأريخها وبتواريخ أصحابها، وأنه لا يمتاز بشيء عن الهمداني أو سائر علماء اليمن الذين كانوا يدعون العلم بأخبار الماضيين، وأكثر الذي ذكره في كتابه على أنه من اللهجات الحميرية والعربية الجنوبية هو من مفردات معجمات اللغة، ومن لهجات العربية الفصحى؛ خلا ذلك الذي كان يستعمله أهل اليمن، وهو قليل إذا قيس إلى سواه، وقد فسر معانيه على نحو ما كان يقصده الناس في أيامه. ومع هذا، فهذا النوع من الكلمات هو الذي نطمع فيه؛ لأنه من بقايا اللهجات البائدة، ويفيدنا فائدة عظيمة في فهم معاني النصوص وفي قراءتها وشرحها وتفسيرها، ولعلّه لم يكثر منها؛ لأنها كانت من كلام العوام فأشفق على نفسه من البحث في لغة العوام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015