وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء/ 114] ، وَكَفى بِنا حاسِبِينَ [الأنبياء/ 47] ، وفي كل ذلك لا ينفكّ عن معنى، ربما يدقّ فيتصور أنّ حصوله وحذفه سواء، وهما في التحقيق مختلفان، سيما في كلام من لا يقع عليه اللغو، فقوله: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يوسف/ 17] ، فبينه وبين قولك: (ما أنت مؤمنا لنا) فرق، فالمتصوّر من الكلام إذا نصبت ذات واحدة، كقولك: زيد خارج، والمتصور منه إذا قيل: (ما أنت بمؤمن لنا) ذاتان، كقولك: لقيت بزيد رجلا فاضلا، فإنّ قوله: رجلا فاضلا- وإن أريد به زيد- فقد أخرج في معرض يتصوّر منه إنسان آخر، فكأنه قال: رأيت برؤيتي لك آخر هو رجل فاضل.
وعلى هذا: رأيت بك حاتما في السخاء، وعلى هذا: وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء/ 114] ، وقوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ [الزمر/ 36] .
وقوله: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون/ 20] قيل معناه: تنبت الدهن، وليس ذلك بالمقصود، بل المقصود أنها تنبت النبات ومعه الدهن، أي: والدهن فيه موجود بالقوة، ونبّه بلفظة بِالدُّهْنِ على ما أنعم به على عباده وهداهم إلى استنباطه. وقيل: الباء هاهنا للحال (?) ، أي:
حاله أنّ فيه الدهن.
والسبب فيه أنّ الهمزة والباء اللتين للتعدية لا يجتمعان، وقوله: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً [الفتح/ 28] ، فقيل: كفى الله شهيدا نحو: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ [الأحزاب/ 25] الباء زائدة، ولو كان ذلك كما قيل لصحّ أن يقال:
كفى بالله المؤمنين القتال، وذلك غير سائغ، وإنما يجيء ذلك حيث يذكر بعده منصوب في موضع الحال كما تقدّم ذكره. والصحيح أن (كفى) هاهنا موضوع موضع اكتف، كما أنّ قولهم: أحسن بزيد، موضوع موضع ما أحسن. ومعناه: اكتف بالله شهيدا، وعلى هذا وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً [الفرقان/ 31] ، وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء/ 132] ، [الأحزاب/ 48] ، وقوله: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت/ 53] ، وعلى هذا قوله: حبّ إليّ بفلان، أي: أحبب إليّ به.
وممّا ادّعي فيه الزيادة: الباء في قوله: