والمراد بالأعمال ههنا: العبادات، لأن الأعمال التي ليست بعبادة لا يُفتقَر فيها إلى النية، ألا ترى أنه لو رمى رجلٌ سهمًا إلى هدف، فأصاب إنسانًا، فقتله = تجب عليه الديةُ، ولا يقال: إنه إذا لم يقصده لا تجب عليه الدية، بل لو ضرب نائم أو سكران رِجْلَه على أحد، فقتله، تجب عليه الدية، وكذلك لو غسل أحد ثوبًا نجسًا بالماء المطلق لطهر الثوب، وإن كان الغاسل سكرانًا، أو مجنونًا، أو صبيًا لم يبلغ إلى سن التمييز، وكلُّ غسل هو عبادةٌ لا بد له من نية.
واتفق العلماء على أنه لو ترك أحدٌ الأكلَ يومًا أو أكثر قبل الصبح إلى الغروب، ولم يقصد الصوم، لم يحصل له الصوم، وكذلك لو صلى أحد صلاة رياء أو خوفًا، ولم يقصد الثواب والطاعة، لم يحصل له الثوابُ، فقد علمنا أن النيةَ لا بد منها في العبادات.
واختلف العلماء في النية؛ فبعضهم يقول: النية على القصد؛ فإذا حضرَ المصلي، وعرف أنه يصلي، وقال: الله أكبر، فقد انعقدت صلاته، وبعضهم يقول: لا بد للمصلي أن يُحضِر صفات الصلوات من تعيين الوقت وتعيين الصلاة في قلبه، ويقارن هذا القصد بالتكبير، وكذلك اختلافهم في كيفية النية في غير الصلاة من العبادات، وشرح هذا مكتوب في كتب الفقه، وليس هذا موضعه.
قوله: "وإنما لامرئٍ ما نَوَى"؛ أي: وإنما لكلِّ رجلٍ من عمله ما نوى، وإن كان غرضُه من عمله رضا الله عنه وطاعتَهُ، حصل له الثواب، وإن كان غرضه من ذلك العمل شيئًا آخرَ لا طاعة الله، لا يحصل له ثوابٌ من الله، كما إذا جلس أحد في المسجد لشُغلٍ من الأشغال الدنيوية، فلا يحصل له ثوابٌ من الجلوس في المسجد لشغل من الأشغال، وإن جلس للاعتكاف أو انتظار الصلاة، يحصل له الثواب بقدر جلوسه في المسجد.