المَفَاتِيحُ فِي شَرْحِ المَصَابِيْحِ
وأستوهبُ من ربي الكريم الوهاب أن يسدِّدَ لساني، ويهديني إلى سبيل الصواب، فإنَّه إن أعانني ربي يتيسَّرُ لي كلُّ مستصعبٍ عسير، وإلا فلا أقدرُ على ما يقدر عليه من الكلام طفلٌ صغير، ولا يأتي مني قليل ولا كثير، ولا نَقيرٌ ولا قِطْميرٌ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي الكبير، ولا حول عن معصيته إلا بعصمته، ولا قوةَ على طاعته إلا بإعانته.
أما المقدمة في معرفة أنواع علم الحديث: فأنواع علم الحديث عشرون نوعًا:
النوع الأول: اشتراط الإسناد، وهو شيءٌ عظيمُ القدرِ عند أصحاب الحديث، والإسناد من الدين.
قال عبد الله بن المبارك: لولا الإسنادُ لقال من شاءَ ما شاءَ.
ودخل الزهريُّ على إسحاق بن أبي فروة يومًا، فجعل إسحاق يقول: قال رسول الله عليه السلام كذا، قال رسول الله عليه السلام كذا، فقال الزهري: قاتلك الله يا ابن أبي فروةَ ما أجرأك على الله! ألا تسند حديثك؟! تحدثنا بأحاديث ليس لها خُطمٌ ولا أزمَّةٌ.
يعني: كل حديث ليس له إسناد كجملٍ ليس له زمامٌ وليس له مالك مُعيَّنٌ ضالٍ في البادية، وقد جاء الحديثُ بالنهي عن أخذ الجمل الضالِّ في البادية، فكذلك الحديث إذا لم يكن مرويًا عن رسول الله - عليه السلام - بإسناد صحيح، أو لم يكن مكتوبًا في كتاب صنفه إمامٌ معتبر لم يجز قَبولُ ذلك الحديث، لأن النبي - عليه السلام - قال: "اتقوا الحديثَ منِّي إلا ما علمتُم، فمَنْ كذبَ عليَّ متعمِّدًا، فليتبَّوأْ مقعدَهُ من النارِ".