الكفر؛ لأنه إذا قال أحد المناظرين معناه هذا، وأنكر الآخر ذلك المعنى، لا بد وأن يكون أحدهما حقًا، والآخر باطلًا، فيكون أحدهما منكرًا للحق، وإنكار الحق كفر، إلا أنه إذا ظن أنه ليس بحق؛ فلم يكن منكرًا للحق عن اليقين؛ فإذا كان كذلك لم يكن كافرًا، ولكن فَتْحَ بابِ الجدال في القرآن مهلك ومُفْضٍ إلى الكفر؛ لأن الرجل لا يأمن أن ينكر قول خصمه، وإن علم كونه حقًا يقينًا عند شدة غضبه، وإظهار فضله، وإذلال خصمه.

وقال بعضهم: معنى (المراء في القرآن): أن ينكر الرجل قراءة من القراءات السبع التي أنزلت على رسول الله - عليه السلام - بأن يقرأ أحدٌ قراءة، فيقول: هذه القراءة ليست من القرآن، فيكون منكرًا للقرآن، فيصير كافرًا.

وكان أبو العالية الرِّياحي إذا قرأ عنده أحد قراءة لم يسمعها لم يقل: إنها ليست كما تُقرأ، بل يقول: لكن أنا أقرأها هكذا لا كما تقرأ، من خوف أن ينكر القرآن.

وإنما قال رسول الله - عليه السلام - هذا الحديث؛ لتعظيم القرآن، ولاحتراز الأمة عن الاختلاف في لفظ القرآن ومعناه فيما كان من أصول الدين.

وأما الاختلاف فيما هو من فروع الدين كالمسائل الفقهية لا بأس بهذا الاختلاف؛ لأن هذا الاختلاف قد كان بين الصحابة كاختلافهم في قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] أن الوضوء هل يبطل بلمس النساء أم لا؟ وغير ذلك.

* * *

179 - وقال عَمْرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدِّه: سمعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قومًا يتدَارَؤُنَ في القُرآن، فقال: "إنَّما هلكَ مَنْ كَانَ قبلَكُمْ بهذا، ضَربُوا كتابَ الله بعضَهُ ببعضٍ، وإنَّما نزَلَ كتابُ الله يُصدِّقُ بعضُهُ بعضًا، فلا تُكَذِّبُوا بعضَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015