وأما قول أهل السنة فهو الطريق المستقيم؛ لأنهم يقولون كل ما يجري على العباد فهو بقضاء الله وقدره، وبأفعال العباد واختيارهم بخلق الله أفعالهم في الوقت الذي قدر الله تعالى أن يفعلوها، فالخالق هو الله تعالى، والمكتسِب هو العبد.
قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]، {مُسْتَقِيمًا} منصوب على الحال، {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ}؛ أي: ولا تتبعوا السبل التي هي من غير صراطي المستقيم، {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ} الباء للتعدية؛ يعني: تفرقكم وتبعدكم عن سبيله؛ أي: عن سبيل الله.
* * *
131 - عن عبد الله بن عَمْرو - رضي الله عنهما -، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يؤمنُ أحدُكُمْ حتَّى يكونَ هواهُ تَبَعًا لِمَا جئتُ بهِ".
عن عبد الله بن عمر قوله: "حتى يكونَ هَواهُ"؛ أي: إرادته، هذا اللفظ يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون معناه: حتى يكون تابعًا مقتديًا "لِمَا جئْتُ به" من الشرع عن الاعتقاد وإرادة النفس، لا عن الإكراه وخوف السيف كالمنافقين، وعلى هذا التأويل يكون قوله: (لا يؤمن أحدكم) نفي أصل الإيمان لا نفي الكَمَال؛ يعني: من كان تابعًا للشرع لا عن إرادة النفس بل لخوف السيف فليس بمؤمن أصلًا.
والأمر الثاني: أن يكون معناه: حتى تكون نفسه مطمئنة بالشرع، ولا تميل نفسه عن أحكام الشرع، وعلى هذا تكون (لا) في (لا يؤمن) لنفي الكمال؛ لا لنفي أصل الإيمان؛ لأن كثيرًا يعتقدون حقيقة الشرع، ويعملون بأحكامه، ولا تطيعهم