وجاء في حديث آخر: "أنه أول ما يُخَلق، وآخر ما يَبلَى"، ومعنى الحديث واحد.

والحكمة فيه: أنه قاعدةُ بدنِ الإنسان وأُسُّه الذي يُبنى عليه، فبالحريِّ أن يكون أصلبَ من الجميع كقاعدة الجدار، وإذا كان أصلب كان أطول بقاء.

وأما إعرابه: فقوله: (إلا عظمًا) فهو منصوب؛ لأنه استثناء من موجب؛ لأن قوله: "ليس شيء من الإنسان لا يبلى" نفيُ النفيِ، ونفيُ النفي إثباتٌ، فيكون تقديره: كلُّ شيء منه يبلى إلا عظمًا واحدًا.

* * *

4278 - عن عبدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَطوِي الله السَّماواتِ يَوْمَ القِيامَةِ، ثُمَّ يأخُذُهُنَّ بيدِه اليُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أنا المَلِكُ، أينَ الجبَّارونَ؟ أينَ المُتكَبرُونَ؟ ثمَّ يَطْوِي الأَرْضينَ بشِمالِه - وفي رِوايةٍ: ثُمَّ يأخُذُهُنَّ بيدِه الأُخْرىَ - ثمَّ يَقُولُ: أنا المَلِكُ، أينَ الجَبَّارونَ؟ أينَ المُتكبرونَ؟ ".

قوله: "يطوي الله السماوات يوم القيامة يأخذهن بيده اليمنى" الحديث.

اعلم بأنَّ الله سبحانه وتعالى منزَّهٌ عن سِمةِ الحدوث، وصفةِ الأجسام، وكلُّ ما ورد في القرآن والأحاديث في صفاته ممَّا ينبئ عن الجهة والفوقية، والاستقرار والإتيان، والنزول، فلا نخوض في تأويله، بل نؤمن بما هو مدلولُ تلك الألفاظ على المعنى الذي أراده سبحانه مع التنزيه عما يُوهِمُ الجسمية والجهة، كما يُروى عن مالك - رحمة الله عليه - لما سُئِل عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] فقال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، وسؤالك عنه بدعة.

وهو مذهب السلف الصالح - رضي الله عنهم -.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015