محذوف؛ أي: تُنسج عودًا فعودًا؛ أي: عُودٌ بعدَ عوُدٍ حتى يصير حصيرًا.
يعني: كما أن الحصير يجتمع من عودات واحدًا واحدًا، فكذلك الفتن تظهرُ في القلوب واحدةً بعد واحدة، حتى تَستُرَ الفتنُ جميعَ القلوب وتسوِّدها؛ لأنه يظهر من كل فتنة في القلب نكتة سوداء، فإذا اجتمعت نكت كثيرة في القلب فصار القلب مستورًا بالنكَت، فحينئذ لا يعرف الخير من الشر؛ لانعدام نور القلب، وأراد بـ (الفتن): الاعتقادات الفاسدة.
"أُشرِبَها": هذا ماضٍ مجهول، يقال: شربَ زيدٌ الماءَ، وأَشْرَبَ زيدٌ عَمرًا الماءَ؛ أي: سقى زيدٌ عَمرًا الماء، ثم يستعمل (أُشْرِبَ) بمعنى خلط؛ لأن الماء يختلط بالشارب.
قوله: "فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها"؛ أي: فأيُّ قلبٍ خلط فيه الفتن ودخلَتْهُ الفتن.
"نكتت فيه"؛ أي: أَثَّرَتْ فيه، ونُقِشَتْ فيه (نكتة)؛ أي: نقطة سوداء.
"وأيُّ قلبٍ أنكرها"؛ يعني: أيَّ قلبٍ امتنع عن قَبولِ تلك الفتن ظهر فيه النور.
"حتى تصير على قلبين": الضمير في (تصير) ضمير القلوب؛ يعني: حتى تصيرَ قلوبُ أهلِ ذلك العصر على نوعين:
أحدهما: "أبيض مثل الصَّفا" وهو الحجر الأبيضُ شديد البياض، "فلا تضرُّهُ فتنة"؛ يعني: مِنْ حِفْظِهِ الله تعالى في ذلك الوقت عن الفتن، يُحْفَظُ بعدَ ذلك أيضًا عن الفتن إلى يوم القيامة.
والنوع الثاني: "أَسْوَدُ مُرْبَادُّ"، (المُرْبَادُّ): الطين المتغير المنتن، الذي صار أسودًا من غاية تغيره وطول مكثه بمكان، ثم يستعمل المُرْبَادُّ في كل متغير، وفي الأسود الذي هو على غاية السَّواد؛ يعني: والآخر يصير أسود غاية السَّواد لا يعرف الخير، ولا يبصر الحق؛ لانعدام النور عنه، فيصير خاليًا عن الخير.