قوله: "لا تُقام الحدودُ في المساجد"؛ لأنَّ المساجدَ ما بنيت إلا للصلاة وقراءة القرآن والذَّكر وغير ذلك من العبادات، فإذا أُقيمت الحدودُ فيها فلا تخلو عن صخبٍ ولوثٍ بالدم وغيره، فإذا كان كذلك، فلا تُقام الحدودُ في المساجد؛ صيانةً لها وحفظًا لحرمتها، هذا على سبيل الأولوية، أمَّا لو التجأ مَن عليه القِصاص إلى الحَرَم، فجاز استيفاؤه منه في الحَرَم، سواءٌ كان القِصاصُ واجبًا عليه في النفس أو الطرف، فتُبسط الأنطاعُ، ويُقتَل في الحَرَم؛ تعجيلاً لاستيفاء الحقَّ، وعند أبي حنيفة لا يُستوفَى قِصاصُ النفس في الحَرَم، بل يُضيَّق عليه الأمرُ بحيث لا يُكلَّم ولا يُعامَل ولا يُطعَم حتى يخرجَ بنفسه، فيُقتَل.

قوله: "ولا يُقاد بالولد الوالدُ"، قال في "شرح السُّنَّة": والعملُ عليه عند أهل العلم، قالوا: لا يُقاد أحدٌ من الوالدَين بالولد، ولا يُحدُّ بقذفه، ويُقاد الولدُ بالوالد، ويُحدُّ بقذفه، وإنما قال: لا يُقاد الوالدُ بالولد؛ لأنَّ الوالدَ سببُ وجوده، فلا يجوز أن يكونَ الولدُ سببًا لعدمه، وحُكمُ الأجداد والجدَّات مع الأحفاد حُكمُ الوالدَين مع الولد.

* * *

2607 - عن أبي رِمْثَةَ - رضي الله عنه - قالَ: دخلتُ مع أبي على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فرأَى أبي الذي بظَهرِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ: دَعْني أُعالجُ الذي بظهركَ فإني طبيبٌ، فقالَ: "أنتَ رفيقٌ، والله الطبيبُ"، فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ هذا مَعَك؟ " قالَ: ابني فاشهدْ به، فقالَ: "أَما إنه لا يَجني عليكَ ولا تَجْني عليهِ".

قوله: "فرأى أبي الذي بظَهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ": أراد بالذي بظَهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خاتمَ النبوَّة، وظنَّ أنه سِلَعةٌ، و (السلعة): شيء ينتشر من جسم الإنسان يشبهُ الغُدَّة، فقال: "دعني أعالجُ الذي بظَهرك؛ فإني طبيب"؛ يعني: اتركْني أُداوي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015