ريحَها تُوجدُ مِن مَسيرةِ أربعينَ خريفًا".
قوله: "مَن قتل مُعاهِدًا لم يَرِحْ رائحةَ الجنةِ"، (المُعاهد): الكافر الذي أجارَه واحدٌ من المسلمين، بأن يدخلَ في دار الإسلام لأجل تجارةٍ أو سماعِ كلامِ الله تعالى؛ بشرط أن لا يتضرَّرَ به المسلمون كالجاسوس، وينعقد الأمانُ بكلَّ لفظ يفيد مقصودَ الأمان، كقولك: أجرتُك، أو أمَّنتُك، ويجوز مدة الأمان إلى أربعة أشهر، وفيما فوق ذلك إلى السَّنة قولانِ، أصحُّهما: المنعُ قبل العهد.
والأمان للكفار على قسمين:
أحدهما: عهدٌ أبديٌّ، كمَن عُصم دمُه ومالُه لأجل الجزية.
والثاني: مَن له عهدٌ مؤقتٌ، فإذا انقضت المدة صار حربيًّا مُباحَ الدم، كما كان قبل العهد.
قال في "الغريبين": (لم يرح): يُروَى على ثلاثة أوجه: لم يَرَح، ولم يَرِح، ولم يُرِح بضم الياء، يُقال: رُحتُ الشيءَ أَرَاحُه، ورحتُه أَرِيحه، وأَرحتُه أُرِيحه: إذا وجدتُ رائحتَه.
يعني: لم يدخل الجنة حتى يُعذَّبَ بقدر إثم قتل المُعاهد.
وقيل: إنما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لم يجدْ رائحة الجنة"؛ لأنَّ مَن استحقَّ دخولَ الجنة ما دام في موقف الحساب يجدُ رائحة الجنة ويستريحُ بها، فهو يُحرَم عن تلك الرائحة المريحة؛ لأجلِ ما صدرَ منه.
قوله: "أربعين خريفًا"، (الخريف): السَّنة؛ وإنما غلَّظ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إثمَ مَن قتل مُعاهَدًا؛ لأنَّ مَن قتلَ مُعاهدًا، فقد استخفَّ أمرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه مَن جوَّز للمسلمين أن يُدخلوا الكفَّارَ إلى دار الإسلام بالأمان.
* * *