قوله: "عند المَرْوَة"، هذا يدلُّ على أنه - عليه السلام - كان مُحْرِمًا بالعمرة؛ لأن الحَلْق والتقصيرَ عند المَرْوَة إنما يكونُ في العمرة، وأما في الحجِّ يحلِقُ ويُقَصَّرُ بمِنًى بمِشْقَص، وهو نَصْلٌ طويلٌ عريضٌ له حِدَّةٌ.
* * *
1921 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أتَى مِنًى، فأتَى الجَمْرَةَ فَرمَى بها، ثُمَّ أتَى مَنْزِلَهُ بِمنًى، ونَحَرَ نُسُكَهُ، ثُمَّ دَعا بالحَلاَّقِ، وناوَلَ الحالِقَ شِقَّهُ الأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعا أبا طَلْحَةَ الأَنْصارِيَّ فأعْطاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ ناوَلَهُ الشِّقَّ الأَيْسَرَ، فقال: "احلِقْ" فَحَلَقَهُ، فأعْطاهُ أبا طَلْحَةَ الأَنْصارِيَّ فقال: "اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ".
قوله: "فأتى الجَمْرةَ فرماها"، أراد بهذه الجمرة: جمرة العقبة، يعني: رمى يومَ العيدِ جمرةَ العَقَبة، ثم أتى منزله بمِنًى.
"ونَحَرَ نُسُكَه"؛ أي: هَدْيَه.
"وناولَ الحالِقَ شِقَّه الأيمنَ"، (ناولَ)؛ أي: أعطى، يعني: أعطى الحلاقَ الجانب الأيمنَ من شعرِ رأسِه فحلقَه، هذا يدلُّ على كون الحَلْقِ في الحجّ ركْنًا من أركان الحجِّ في أصحِّ القولين للشافعي.
وفي قوله الآخر: أنه استباحةُ محظور؛ أي: كان الحَلْقُ على الرجلِ حرامًا بالإحرام، فصار مباحًا، إن شاء فَعَلَه، وإن شاء تَرَكَه.
وقال أبو حنيفة: الحَلْقُ ليس بركنٍ، ولكنه واجبٌ يجبُ بتركه دمٌ، ويدلُّ هذا الحديثُ على أن البَدَاءة في الحَلْقِ وغيرِه باليمنى مسنونٌ.
قوله: "اقسِمْه بين الناس"؛ يعني: أعطِ كلِّ واحدٍ من أصحابي بعضَ شعوري ليحفظَه؛ أي: ليصلَه بركةُ شَعْرِي.