لا حي! يا حي محيي الموتى! يا حي! لا إله إلا أنت، فأذْهَبَ الله عنهم العذابَ، فدنا يونسُ يومًا من بلدهم بعد ثلاثة أيام ليعْلَمَ كيف حالهم هل بقي منهم أحدٌ أم أُهلكوا جميعًا بالعذاب، فرأى من البعد أن البلد معمور كما كان وأهله أحياء فاستحيا وقال: قد قلت لهم إن العذاب ينزل عليكم بعد ثلاثة أيام، وقد مضى ثلاثة أيام ولم ينزل عليهم العذاب، فذهب ولم يعلم أنه نزل عليهم العذاب ودُفِعَ عنهم، فسار حتى أتى سفينة وركبها، فلما ركبها وقفت السفينةُ، فبالغوا في إجرائها فلم تَجْرِ.
فقال الملاَّحون: ها هنا عبد آبق حتى وقفت السفينة - فإن عادة السفينة الوقوف إذا كان فيها عبد آبق - فأقرعوا بين أهل السفينة فخرجت القُرعة على يونس، فقال يونس عليه السلام: أنا الآبق، فألقى نفسَه في البحر فالتقمه حوتٌ بأمر الله تعالى.
وإنما قال: أنا الآبق؛ لأنه خرج من بين قومه بغير أمر الله تعالى، فصار بمنزلة العبد الآبق، فأمر الله تعالى ذلك الحوتَ أن يحفظَه، فلبث في بطنه أربعين يومًا، وسار به إلى النيل، ثم إلى بحر فارس، ثم إلى دِجلة، ودعا يونسُ - عليه السلام - ربَّه فقال: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}؛ أي: أنا من الظالمين بخروجي من بين قومي قبل أن تأذَن لي بالخروج من بينهم، فاستجاب الله له، فأمر الحوتَ بإلقائه إلى أرض نَصِيبين، وهو اسمُ بلدٍ من الشام.
روى هذا الحديثَ ودعوةَ ذي النون سعدُ بن أبي وقاصٍ - رضي الله عنه -، والله أعلم.
* * *