فكذلك إخفاءُ قراءة القرآن، وهذا في غيرِ الصلوات المفروضات، فإن الجهرَ في صلاة الصبح والركعة الأولى والثانية من المغرب والعشاء أَوْلَى اقتداءً برسول الله عليه السلام، ولو قرأ جماعة في مسجد سبعًا أو أكثر من القرآن جهرًا؛ ليعلمَ بعضُهم بعضًا اللحن والخطأ، وليستمعَ إليهم جماعةٌ لينالوا ثوابَ الاستماع، وليرغبَ جماعةٌ في تعلُّمِ القرآن، وليحصلَ للمستمعين ذوقُ أصوات القارئين، وذوقُ معاني القرآن وإظهار الدين، فإذا كان نيَّتهم هذه الأشياء، فالجهرُ أولى، كما أن الأذان في أيِّ موضع أعلى أفضل؛ لأن رسول الله - عليه السلام - قال لأبي بكر: "ارفعْ من صوتِكَ"، ولأنه قال عليه السلام: "زينوا أصواتَكم بالقرآنِ".

* * *

1581 - عن يَعْلى بن مَمْلَك: أنَّه سألَ أُمَّ سلَمةَ عنْ قِراءَةِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فإذا هي تَنْعَتُ قِراءَةً مَفَسَّرةً حرفًا حرفًا.

قوله: "فإذا هي تَنْعَتُ"؛ أي: تصفُ، (نعت): إذا وصف.

"مُفسَّرة"؛ أي: مبينة؛ يعني: قالت: كان رسول الله عليه السلام يقرأ القرآنَ على التأني بحيث يمكنُ عدُّ حروفِ ما يقرأ.

* * *

1582 - ورُوي أنّها قالت: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُقطِّعُ قِراءَتَهُ يقولُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثمَّ يَقِفُ، ثمَّ يقولُ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثمَّ يقِفُ، والأوَّل أصحُّ.

قولها: "يقولُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، ثم يقفُ": إنَّما كان رسول الله - عليه السلام - يقفُ على الآية؛ ليتبينَ للمستمعين رؤوسُ الآيِ، ولو لم يكنْ لهذه العلةِ لَمَا وقفَ على {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، ولا على {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؛ لأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015