صارت لهم ولا منازع، فبالغوا في الفساد والاستهتار وزيادة الضرائب، إلى درجة أن بعض المؤرخين أمثال المقريزي وأبي المحاسن، فضلوا عليهم الصليبيين وقالوا لو أن الفرنج ملكوا مصر ما فعلوا فعلهم (?).
وهذا كلام لا يستقيم أمام الوقائع التاريخية فالفرنج لما تمكنوا من ثغر دمياط في الحملة الصليبية، عملوا ما تقشعر منه الأبدان وتشيب منه الرؤس، وفصلنا كثيراً من أعمال الفرنج في كتبنا السابقة عن الحروب الصليبية، وقد حاول بعض المؤرخين أن يقدم لنا صفحات التاريخ المملوكي بلون أسود مظلم قاتم، ومع اعترافنا بالحقيقة المرّة أن تمزقاً كان يقوم بين طوائف المجتمع في عهد المماليك وبين الأمراء المماليك أنفسهم وولاءتهم المتعددة، فإن إشراقة من الإيمان تطل علينا وشموعاً تضاء في دهاليز الذات لدى هذا القائد أو ذاك، عندما يمس الإيمان شغاف قلبه، ويحرّك القرآن فيه روح الجهاد والاستشهاد، إن من التجني أن ننسى الدور الرائد الفذ الذي قام به الظاهر بيبرس والمظفر قطز في قيادة جيش إسلامي وقف كالطود الشامخ في وجه الزحف التتري، الذي كان يستهدف عقيدتنا، وديارنا وأمتنا ويسى لإجتثاث ذلك كله من الوجود، وكانت النتيجة إندحار الغزاة وهزيمة المعتدين بوحدة الصف ودافع الإيمان الصادق المتين (?).إن معركة عين جالوت تمثل معلماً مضيئاً في خضم الظلمات ومثلها معالم أخرى، كتحرير بلاد الشام من المشروع الصليبي في عهد المنصور بن قلاوون والمدارس التي بنيت والمكاتب التي أوقفت والمساجد التي شيدت وصرح الخير والبر والمرحمة، والحركة العلمية الموسوعية التي قادها علماء ذلك العصر، كالنووي وابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن كثير والمزي والسبكي والمقريزي وابن خلدون والسيوطي وغيرهم كثير، وهذا ما سوف نعرفه في هذا الكتاب بإذن الله تعالى.
الحقيقة هناك تجاوزات حدثت في عهد المماليك منها استخدام العنف الغير مبرر ضد المعارضين مما ولّدت ردة فعل عكسية قال أبو المحاسن: إن أهل مصر لم يرضوا بسلطان مسه الرق، وظلوا إلى أن مات السلطان أيبك وهم يسمعونه ما يكره حتى في وجهه إذا ركب ومر بالطرقات، ويقولون لا نريد إلا سلطاناً رئيساً مولوداً على الفطرة (?).وتزعم تلك الثورة الشعبية شريف علوي وهو حصن الدين بن ثعلب الذي طمع في السلطنة، وصرح بأن ملك