وهنا أدرك الشيخ العز أن أعوان الباطل تمالؤوا عليه ووقفوا في وجه الحق وتطبيق الشرع، وتنفيذ الأحكام التي لا تفرق ـ في الدين ـ بين كبير وصغير، وحاكم ومحكوم وأمير ومواطن، فلجأ إلى سلاحه الضعيف الباهت في ظاهره القوي الفعال المدمر في حقيقته وجوهره وسنده، وأعلن الإنسحاب وعزل نفسه عن القضاء وقرر الرحيل عن القرية الظالم أهلها والتي ترفض إقامة شرع الله، ونفذ العز قراره فوراً، وحمل أهله، ومتاعه على حماره وركب حماراً آخر وخرج من القاهرة، وما انتشر الخبر بين الناس في مصر حتى تحركت جموع المسلمين وراءه فم تكن إمرأة ولا صبي ولا رجل لا يؤوبه إليه بتخلف، ولا سيما العلماء والصالحين، والتجار، وأمثالهم ولسان حالهم يقول: لا خير في مصر إن لم يكن فيها العز بن عبد السلام وأمثاله، القائمون بالكتاب والسنة والآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، والمجاهدين في سبيل الله، لا يخافون لومة لائم، ولا شماتة شامت، ورفعة التقارير حول هذه الظاهرة إلى القاهرة، وكانت التوصيات: متى راح ذهب ملكك فركب السلطان بنفسه ولحقه واسترضاه وطيب قلبه، فرجع أن ينادى على ملوك مصر وأمرائها ويبيعهم، وأرسل إليه كبيرهم ـ نائب السلطان ـ بالملاطفة والشيخ لم يتغير، لأنه يريد إنفاذ حكم الله، عندئذ إنزعج نائب السلطان وأصدر قراره بتصفية الشيخ جسدياً وقال: كيف ينادي علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض والله لأضربنه بسيفي هذا بنفسه في جماعته، وجاء إلى بيت الشيخ والسيف في يده صلتاً وطرق الباب فخرج إليه ولد الشيخ، فرأى أمراً جلداً، وعاد إلى أبيه، وأخبره الحال، فقال بائع الأمراء ممتلئاً إيماناً بربه، قائلاً لولده: يا ولدي: أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله، فلما رآه نائب السلطان اهتزت يده وارتعدت فرائصه وسقط أرضاً، فبكى، وسأل الشيخ أن يدعو له قائلاً: يا سيدي، خيراً أي العمل؟ فقال الشيخ أنادي عليكم وأبيعكم، قال نائب السلطان: ففيما تصرف