المغول من تدمير مكتبة بغداد انتقلوا إلى الديار الجميلة، وإلى المباني الأنيقة فتناولوا جلها بالتدمير والحرق، وسرقوا المحتويات الثمينة فيها، أما ما عجزوا عن حمله من المسروقات فقد أحرقوه وظلوا كذلك حتى تحولت معظم ديار المدينة إلى ركام، وإلى خراب تتصاعد منه ألسنة النار والدخان، واستمر هذا الوضع الأليم أربعين يوماً كاملة وامتلأت شوارع بغداد بتلال الجثث المتعفنة واكتست الشوارع باللون الأحمر، وخاف هولاكو على جيشه من انتشار الأوبئة المتعفنة فأصدر هولاكو بعض الأوامر الجديدة:

أ ـ يخرج الجيش التتاري بكامله من بغداد وينتقل إلى بلد آخر في شمال العراق، لكي لا يصاب الجيش بالأمراض والأوبئة وتترك حامية تتارية صغيرة حول بغداد، فلم يعد هناك ما يخشى منه في هذه المنطقة.

ب ـ يعلن في بغداد أمان حقيقي، فلا يقتل مسلم بصورة عشوائية بعد هذه الأربعين، ليقوموا بدفن موتاهم، وتنظيف المدينة من الجثث.

جـ ـ أصدر هولاكو قراراً بأن يعين مؤيد الدين العلقمي الشيعي رئيساً على مجلس الحكم المعين من قبل المغول على بغداد على أن توضع عليه بالطابع وصية مغولية (?).

7 ـ مؤيد الدين العلقمي، حاكم بغداد

7 ـ مؤيد الدين العلقمي، حاكم بغداد: لم يكن مؤيد الدين إلا صورة للحاكم فقط، وكانت القيادة الفعلية للمغول، وتعرض للإهانة من قبلهم لتحطيم نفسيته ولكي يصبح تابعاً ذليلاً لهم، وحصل له من الإهانة في أيامه والقلة والذلة، وزوال ستر الله، ما لا يحد ولا يوصف، رأته إمرأة وهو راكب في أيام التتار برذوناً وسائق يضرب فرسه فوقفت إلى جانبه وقالت: يا بن العلقمي هكذا كان بنو العباس يعاملونك؟ فوقعت كلمتها في قلبه وانقطع في داره إلى أن مات كمداً في مستهل جماد الآخر من هذه السنة، وله من العمر ثلاث وستون سنة، ودفن في قبور الشيعة، وقد سمع بأذنيه ورأى بعينيه من الإهانة من التتار والمسلمين ما لا يحد ولا يوصف. وتولى بعده ولده الوزارة، ثم أخذه الله إليه سريعاً، وقد هجاه بعض الشعراء فقال:

يا فِرْقة الإسلام نوحوا واندبوا ... أسفاً على ما حل بالمستعصم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015