وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَكَاةٍ وَلَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، فَأَشْبَهَتْ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ. وَالثَّانِي، لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَشْبَهَتْ الزَّكَاةَ.

(1785) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَنْ حُرِمَ صَدَقَةَ الْفَرْضِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَقَرَابَةِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْكَافِرِ وَغَيْرِهِمْ، يَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إلَيْهِمْ، وَلَهُمْ أَخْذُهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] . وَلَمْ يَكُنْ الْأَسِيرُ يَوْمَئِذٍ إلَّا كَافِرًا، وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَالَتْ: «قَدِمْتُ عَلَى أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، صِلِي أُمَّك» . وَكَسَا عُمَرُ أَخًا لَهُ حُلَّةً كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ إيَّاهَا.

وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ عَلَى أَهْلِهِ، وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، فَهِيَ لَهُ صَدَقَةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَعْدٍ: «إنَّ نَفَقَتَك عَلَى أَهْلِك صَدَقَةٌ، وَإِنَّ مَا تَأْكُلُ امْرَأَتُك صَدَقَةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

[فَصْلُ حُرْمَة الصَّدَقَة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]

(1786) فَصْلٌ: فَأَمَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّدَقَةَ جَمِيعَهَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، فَرْضَهَا وَنَفْلَهَا؛ لِأَنَّ اجْتِنَابَهَا كَانَ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِهَا، فَلَمْ يَكُنْ لِيُخِلَّ بِذَلِكَ، وَفِي حَدِيثِ إسْلَامِ سَلْمَانِ الْفَارِسِيِّ، أَنَّ الَّذِي أَخْبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَصَفَهُ، قَالَ: «إنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» .

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ؟ فَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ. قَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا. وَلَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ، فَأَكَلَ مَعَهُمْ.» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَحْمٍ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنِّي لَأَنْقَلِبُ إلَى أَهْلِي، فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي فِي بَيْتِي، فَأَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً، فَأُلْقِيهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ: «إنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» . وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَشْرَفَ الْخَلْقِ، وَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمْسُ الْخُمْسِ وَالصَّفِيُّ، فَحُرِمَ نَوْعَيْ الصَّدَقَةِ فَرْضَهَا وَنَفْلَهَا، وَآلُهُ دُونَهُ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015