بِوَسِيلَةٍ إلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ مُرْسَلٌ، وَهُوَ عَامٌّ، وَحَدِيثُنَا خَاصٌّ صَحِيحٌ، فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
(1772) فَصْلٌ: فَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى شِرَاءِ صَدَقَتِهِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ جُزْءًا مِنْ حَيَوَانٍ لَا يُمْكِنُ الْفَقِيرَ الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهِ، وَلَا يَجِدُ مِنْ يَشْتَرِيه سِوَى الْمَالِكِ لِبَاقِيهِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ غَيْرُهُ لَتَضَرَّرَ الْمَالِكُ بِسُوءِ الْمُشَارَكَةِ، أَوْ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ عِنَبًا وَرُطَبًا، فَاحْتَاجَ السَّاعِي إلَى بَيْعِهَا قَبْلَ الْجِذَاذِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَكَذَلِكَ يَجِيءُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى شِرَائِهِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الشِّرَاءِ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ إنَّمَا كَانَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْفَقِيرِ، وَالضَّرَرُ عَلَيْهِ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ هَاهُنَا أَعْظَمُ، فَدَفْعُهُ بِجَوَازِ الْبَيْعِ أَوْلَى.
(1773) فَصْلٌ: قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ بِرَهْنٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ قَضَاؤُهُ، وَلِهَذَا الرَّجُلِ زَكَاةُ مَالٍ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَيَدْفَعُ إلَيْهِ رَهْنَهُ وَيَقُولُ لَهُ: الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَيْك هُوَ لَك. وَيَحْسُبُهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ.
قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ. فَقُلْت لَهُ: فَيَدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ زَكَاتَهُ، فَإِنْ رَدَّهُ إلَيْهِ قَضَاءً مِمَّا لَهُ، أَخْذُهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَقِيلَ لَهُ: فَإِنْ أَعْطَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ؟ قَالَ: إذَا كَانَ بِحِيلَةٍ فَلَا يُعْجِبُنِي. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ اسْتَقْرَضَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ، فَقَضَاهُ إيَّاهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ، وَحَسَبَهَا مِنْ الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: إذَا أَرَادَ بِهَا إحْيَاءَ مَالِهِ فَلَا يَجُوزُ فَحَصَلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ دَفْعَ الزَّكَاةِ إلَى الْغَرِيمِ جَائِزٌ، سَوَاءٌ دَفَعَهَا ابْتِدَاءً، أَوْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ ثُمَّ دَفَعَ مَا اسْتَوْفَاهُ إلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ مَتَى قَصَدَ بِالدَّفْعِ إحْيَاءَ مَالِهِ، أَوْ اسْتِيفَاءَ دَيْنِهِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَحِقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى نَفْعِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْتَسِبَ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ مِنْ الزَّكَاةِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَدَائِهَا وَإِيتَائِهَا، وَهَذَا إسْقَاطٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(1774) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا لِكَافِرٍ، وَلَا لِمَمْلُوكٍ) لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ لَا تُعْطَى لِكَافِرٍ وَلَا لِمَمْلُوكٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُعْطَى مِنْ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ شَيْئًا.
«وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاذٍ: أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» . فَخَصَّهُمْ بِصَرْفِهَا إلَى فُقَرَائِهِمْ، كَمَا خَصَّهُمْ بِوُجُوبِهَا عَلَى أَغْنِيَائِهِمْ. وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ فَلَا يَمْلِكُهَا بِدَفْعِهَا إلَيْهِ، وَمَا يُعْطَاهُ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، فَكَأَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى سَيِّدِهِ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ يَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ نَفَقَتُهُ، فَهُوَ غَنِيٌّ بِغِنَاهُ.