وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً، أَخَذَهَا دُونَ زِيَادَتِهَا؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْفَقِيرِ.
وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً، رَجَعَ عَلَى الْفَقِيرِ بِالنَّقْصِ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ قَدْ مَلَكَهَا بِالنَّقْصِ؛ فَكَانَ نَقْصُهَا عَلَيْهِ، كَالْمَبِيعِ إذَا نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ. وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً أَخَذَ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ نَقَصَ فَإِنَّمَا هُوَ فِي مِلْكُ الْفَقِيرِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ، كَالصَّدَاقِ يَتْلَفُ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ، أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُهُمَا جَمِيعًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءٌ.
(1756) فَصْلٌ: إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ: قَدْ أَعْلَمْته أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ، فَلِي الرُّجُوعُ. فَأَنْكَرَ الْآخِذُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآخِذِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِعْلَامِ، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ. وَإِنْ مَاتَ الْآخِذُ، وَاخْتَلَفَ الْمُخْرِجُ وَوَارِثُ الْآخِذِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ، وَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ أَعْلَمَ بِذَلِكَ. فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الِاسْتِرْجَاعِ، فَلَا يَمِينَ وَلَا غَيْرَهَا.
(1757) فَصْلٌ: إذَا تَسَلَّفَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ، فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْفُقَرَاءِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْأَلَهُ ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ الْفُقَرَاءُ أَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْفُقَرَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ تَسَلَّفَهَا مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ رُشَّدٌ، لَا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا قَبَضَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ضَمِنَ، كَالْأَبِ إذَا قَبَضَ لِابْنِهِ الْكَبِيرِ.
وَإِنْ كَانَ بِسُؤَالِهِمْ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُمْ. فَإِذَا كَانَ بِسُؤَالِ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، لَمْ يُجْزِئْهُمْ الدَّفْعُ، وَكَانَ مِنْ ضَمَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُمْ. وَإِنْ كَانَ بِسُؤَالِهِمْ فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا، أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْفُقَرَاءِ. وَلَنَا، أَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ، بِدَلِيلِ جَوَازِ قَبْضِ الصَّدَقَةِ لَهُمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ سَلَفًا وَغَيْرِهِ، فَإِذَا تَلِفَتْ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، لَمْ يَضْمَنْ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ إذَا قَبَضَ لَهُ.
وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا قَبَضَ الصَّدَقَةَ بَعْدَ وُجُوبِهَا، وَفَارَقَ الْأَبَ فِي حَقِّ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَبْضُ لَهُ؛ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يَضْمَنُ مَا قَبَضَهُ لَهُ مِنْ الْحَقِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ.
(1758) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ إلَّا بِنِيَّةٍ) . إلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ قَهْرًا. مَذْهَبُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَجِبُ لَهَا النِّيَّةُ، لِأَنَّهَا دَيْنٌ فَلَا تَجِبُ لَهَا النِّيَّةُ، كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَلِهَذَا يُخْرِجُهَا وَلِيُّ الْيَتِيمِ، وَيَأْخُذُهَا السُّلْطَانُ مِنْ الْمُمْتَنِعِ.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَأَدَاؤُهَا عَمَلٌ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَنَوَّعُ إلَى فَرْضٍ