الْمَاءِ فِي وَقْتٍ "، صِفَةٌ لِلشَّيْءِ الَّذِي يُضَافُ إلَيْهِ الْمَاءُ، وَمَعْنَاهُ: لَا يُفَارِقُ اسْمُهُ اسْمَ الْمَاءِ. وَالْمُزَايَلَةُ: الْمُفَارَقَةُ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: 25] ، وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ
وَقَدْ طَاوَعُوا أَمْرَ الْعَدُوِّ الْمُزَايِلِ
أَيْ الْمُفَارِقِ. أَيْ: لَا يُذْكَرُ الْمَاءُ إلَّا مُضَافًا إلَى الْمُخَالِطِ لَهُ فِي الْغَالِبِ.
وَيُفِيدُ هَذَا الْوَصْفُ الِاحْتِرَازَ مِنْ الْمُضَافِ إلَى مَكَانِهِ وَمَقَرِّهِ، كَمَاءِ النَّهْرِ وَالْبِئْرِ؛ فَإِنَّهُ إذَا زَالَ عَنْ مَكَانِهِ زَالَتْ النِّسْبَةُ فِي الْغَالِبِ، وَكَذَلِكَ مَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ تَغَيُّرًا يَسِيرًا، فَإِنَّهُ لَا يُضَافُ فِي الْغَالِبِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: هَذَا احْتِرَازٌ مِنْ الْمُتَغَيِّرِ بِالتُّرَابِ؛ لِأَنَّهُ يَصْفُو عَنْهُ، وَيُزَايِلُ اسْمُهُ اسْمَهُ. وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَحْكَامٍ مِنْهَا إبَاحَةُ الطَّهَارَةِ بِكُلِّ مَاءٍ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصُّفَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، مِنْ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ، وَالْعُذُوبَةِ وَالْمُلُوحَةِ، نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ، أَوْ نَبَعَ مِنْ الْأَرْضِ، فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ غَدِيرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» .
وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْبَحْرِ: التَّيَمُّمُ أَعْجَبُ إلَيْنَا مِنْهُ. هُوَ نَارٌ.
وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَمَاءُ الْبَحْرِ مَاءٌ، لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ مَاءُ الْبَحْرِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ " وَلِأَنَّهُ مَاءٌ بَاقٍ عَلَى أَصِلْ خِلْقَتِهِ، فَجَازَ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْعَذْبِ.
وَقَوْلُهُمْ: " هُوَ نَارٌ " إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ نَارٌ فِي الْحَالِ فَهُوَ خِلَافُ الْحِسِّ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَصِيرُ نَارًا، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْوُضُوءَ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ مَاءً.
وَمِنْهَا أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ النَّجَاسَةِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ طَهَارَةُ الْحَدَثِ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الطَّهَارَةِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَزُفَرُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ لِلْعَيْنِ وَالْأَثَرِ، كَالْخَلِّ، وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَنَحْوِهِمَا. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا» .
أَطْلَقَ الْغَسْلَ،