وَنَقَلَ الْقَاضِي ابْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ فِي الْحَالَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ، وَهُوَ مَالِكٌ لَهَا، فَثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ، كَمَا لَوْ حَمَلَتْ فِي مِلْكِهِ. وَلَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَا إذَا مَلَكَهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا، إنَّمَا نُقِلَ عَنْهُ التَّوَقُّفُ عَنْهَا، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، فَقَالَ: لَا أَقُولُ فِيهَا شَيْئًا. وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ سِوَاهُ، بِجَوَازِ بَيْعِهَا، فَقَالَ: لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَبِيعَهَا، إنَّمَا الْحَسَنُ وَحْدَهُ قَالَ: إنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ. وَقَالَ: أَكْثَرُ مَا سَمِعْنَا فِيهِ مِنْ التَّابِعِينَ يَقُولُونَ: لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ حَتَّى تَلِدَ عِنْدَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهَا. فَإِنَّ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيَّ يَقُولُ: نَبِيعُهَا. وَشُرَيْحًا، وَإِبْرَاهِيمَ، وَعَامِرًا الشَّعْبِيَّ.
وَأَمَّا إذَا مَلَكَهَا حَامِلًا، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَحْبَلَهَا فِي مِلْكِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، أَنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ، حَتَّى تُحْدِثَ عِنْدَهُ حَمْلًا. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ صَالِحٌ، قَالَ: سَأَلْت أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْأَمَةَ، فَتَلِدُ مِنْهُ، ثُمَّ يَبْتَاعُهَا. قَالَ: لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. قُلْت: فَإِنْ اسْتَبْرَأَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ. قَالَ: إذَا كَانَ الْوَطْءُ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ، وَكَانَ يَطَؤُهَا بَعْدَ مَا اشْتَرَاهَا، وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ، كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ وَطِئَهَا فِي ابْتِدَاءِ حَمْلِهَا، أَوْ تَوَسُّطِهِ، كَانَتْ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي سَمْعِ الْوَلَدِ وَبَصَرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ مَلَكَهَا حَامِلًا، فَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى وَضَعَتْ، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِنْ وَطِئَهَا حَالَ حَمْلِهَا، نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ كَمُلَ الْوَلَدُ، وَصَارَ لَهُ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ، لَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ.
وَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، صَارَتْ لَهُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَبَعْدَ مَا اخْتَلَطَتْ دِمَاؤُكُمْ وَدِمَاؤُهُنَّ، وَلُحُومُكُمْ وَلُحُومُهُنَّ، بِعْتُمُوهُنَّ، فَعَلَّلَ بِالْمُخَالَطَةِ، وَالْمُخَالَطَةُ هَاهُنَا حَاصِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ، وَلِأَنَّ لِحُرِّيَّةِ الْبَعْضِ أَثَرًا فِي تَحْرِيرِ الْجَمِيعِ، بِدَلِيلِ مَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ وَطِئَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ، فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ، إلَّا أَنْ تَحْبَلَ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ. وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، فَقَالَ: