شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَصِحُّ نَقْلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ، وَقَالَ «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَلِأَنَّهُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِ صَاحِبِهِ، كَالْقَرَابَةِ، وَلِأَنَّهُ حُكْمُ الْعِتْقِ فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ، كَمَا لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ حُكْمِ النِّكَاحِ لِغَيْرِ النَّاكِحِ، وَلَا حُكْمِ الْبَيْعِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ. وَسَوَاءٌ شَرَطَ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ أَوْ شَرَطَهُ لِبَائِعِهِ، أَوْ لَرَجُلٍ آخَرَ بِعَيْنِهِ. وَلَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَفْسُدُ بِهِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ عِوَضًا مَجْهُولًا. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ ذَلِكَ؛ بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ. وَلَنَا، حَدِيثُ بَرِيرَةَ؛ فَإِنَّ أَهْلَهَا شَرَطُوا لَهُمْ الْوَلَاءَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشِرَائِهَا مَعَ هَذَا الشَّرْطِ. وَقَالَ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَيُفَارِقُ جَهَالَةَ الْعِوَضِ؛ فَإِنَّهُ رُكْنُ الْعَقْدِ، لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ بِدُونِهِ، وَرُبَّمَا أَفْضَتْ جَهَالَتُهُ إلَى التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ، وَهَذَا الشَّرْطُ زَائِدٌ، فَإِذَا حَذَفْنَاهُ بَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا بِحَالِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ» . أَيْ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَأْمُرُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَاللَّامُ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى (عَلَى) كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] . أَيْ فَعَلَيْهَا. قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لَوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّهُ يُخَالِفُ وَضْعَ اللَّفْظِ وَالِاسْتِعْمَالَ.
وَالثَّانِي، أَنَّ أَهْلَ بَرِيرَةَ أَبَوْا هَذَا الشَّرْطَ، فَكَيْفَ يَأْمُرُهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرْطٍ لَا يَقْبَلُونَهُ، وَالثَّالِثُ، أَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لَهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْعِتْقِ وَحُكْمُهُ. وَالرَّابِعُ، أَنَّ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ: «لَا يَمْنَعُكِ هَذَا الشَّرْطُ مِنْهَا، ابْتَاعِي، وَأَعْتِقِي» . وَإِنَّمَا أَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشَّرْطِ، تَعْرِيفًا لَنَا أَنَّ وُجُودَ هَذَا الشَّرْطِ كَعَدَمِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْقُلُ الْوَلَاءَ عَنْ الْمُعْتِقِ.