الَّذِي لَا يَفْسُدُ بِالْأَفْعَالِ، فَالصَّلَاةُ أَوْلَى. فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي التَّطَوُّعِ أَبْطَلَهُ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ مَا أَبْطَلَ الْفَرْضَ أَبْطَلَ التَّطَوُّعَ، كَسَائِرِ مُبْطِلَاتِهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهَا. وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُمَا شَرِبَا فِي التَّطَوُّعِ.
وَعَنْ طَاوُسٍ، أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ يَسِيرٌ، فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْأَكْلِ، فَأَمَّا إنْ أَكْثَرَ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُفْسِدُهَا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَكْلِ مِنْ الْأَعْمَالِ يُفْسِدُ إذَا كَثُرَ، فَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ أَوْلَى. وَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ نَاسِيًا لَمْ تَفْسُدْ. وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُبْطِلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ، فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ، كَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ.
وَلَنَا عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ» . وَلِأَنَّهُ يُسَوَّى بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ حَالَ الْعَمْدِ. وَيُعْفَى عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ كَالْعَمَلِ مِنْ جِنْسِهَا، وَيُشْرَعُ لِذَلِكَ سُجُودُ السَّهْوِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ فَإِنَّ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ إذَا عُفِيَ عَنْهُ لِأَجْلِ السَّهْوِ شُرِعَ لَهُ السُّجُودُ، كَالزِّيَادَةِ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ، وَمَتَى كَثُرَ ذَلِكَ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْمَعْفُوَّ عَنْ يَسِيرِهَا إذَا كَثُرَتْ أَبْطَلَتْ، فَهَذَا أَوْلَى.
ُ؛ لِأَنَّهُ أَكْلٌ. وَإِنْ بَقِيَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ، أَوْ فِي فِيهِ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ يَسِيرٌ يَجْرِي بِهِ الرِّيقُ، فَابْتَلَعَهُ، لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ. وَإِنْ تَرَكَ فِي فِيهِ لُقْمَةً وَلَمْ يَبْتَلِعْهَا، كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُهُ عَنْ خُشُوعِ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهَا، وَلَا يُبْطِلُهَا؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ يَسِيرٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَمْسَكَ شَيْئًا فِي يَدِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.