(944) فَصْلٌ: وَإِذَا ارْتَجَّ عَلَى الْإِمَامِ فِي الْفَاتِحَةِ لَزِمَ مَنْ وَرَاءَهُ الْفَتْحُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً لَزِمَهُمْ تَنْبِيهُهُ بِالتَّسْبِيحِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مِنْ أَجْلِهِ، كَمَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ. وَكَذَلِكَ لَوْ عَجَزَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ رُكْنٍ يَمْنَعُ الِائْتِمَامَ، كَالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ، فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ الصَّلَاةَ، كَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَلْ هَذَا أَوْلَى بِالِاسْتِخْلَافِ؛ لِأَنَّ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَهَذَا صَلَاتُهُ صَحِيحَةُ فَكَانَ بِالِاسْتِخْلَافِ أَوْلَى.
وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَأْتِي بِمَا يُحْسِنُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ، وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ عَجَزَ عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، فَسَقَطَ كَالْقِيَامِ، فَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنْ كَانَ أُمِّيًّا عَاجِزًا عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ قَارِئًا نَوَى مُفَارَقَتَهُ، وَأَتَمَّ وَحْدَهُ، وَلَا يَصِحُّ لَهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ لِأَنَّ هَذَا قَدْ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأُمِّيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الصَّلَاةِ بِقِرَاءَتِهَا فَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِدُونِ ذَلِكَ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذَا عَلَى الْأُمِّيِّ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ لَوْ قَدَرَ عَلَى تَعَلُّمِهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِدُونِهَا، وَهَذَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ فَيَسْأَلَ عَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّيَ، وَلَا قِيَاسُهُ عَلَى أَرْكَانِ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ عَنْ الصَّلَاةِ لَا يُزِيلُ عَجْزَهُ عَنْهَا، وَلَا يَأْمَنُ عَوْدَ مِثْلِ ذَلِكَ لِعَجْزٍ بِخِلَافِ هَذَا.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِتَنْبِيهِ آدَمِيٍّ، إلَّا أَنَّهُ لِسَبَبٍ مِنْ غَيْرِ الصَّلَاةِ، مِثْلُ أَنْ يَعْطِسُ فَيَحْمَدَ اللَّهَ، أَوْ تَلْسَعَهُ عَقْرَبٌ فَيَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ. أَوْ يَسْمَعَ، أَوْ يَرَى مَا يَغُمُّهُ فَيَقُولَ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] أَوْ يَرَى عَجَبًا فَيَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ. فَهَذَا لَا يُسْتَحَبُّ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يُبْطِلُهَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، فِي مَنْ عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَقَالَ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، فِي مَنْ قِيلَ لَهُ وَهُوَ يُصَلِّي: وُلِدَ لَك غُلَامٌ. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ قِيلَ لَهُ: احْتَرَقَ دُكَّانُك قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ ذَهَبَ كِيسُك: فَقَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ قِيلَ: لَهُ مَاتَ أَبُوك. فَقَالَ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] فَلَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ. وَذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ حِينَ أَجَابَ الْخَارِجِيَّ.
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ كَلَامُ آدَمِيٍّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلُ هَذَا؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَنْ قِيلَ لَهُ: وُلِدَ لَك غُلَامٌ. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَوْ ذَكَرَ مُصِيبَةً، فَقَالَ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] . قَالَ يُعِيدُ الصَّلَاةَ. وَقَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ قَصَدَ خِطَابَ آدَمِيٍّ. وَلَنَا مَا رَوَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَالَ: «عَطَسَ شَابٌّ مِنْ الْأَنْصَارِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، حَتَّى يَرْضَى رَبُّنَا، وَبَعْدَمَا يَرْضَى مِنْ أَمْرِ