يَضُمُّ بَعْضَ نُجُومِهِ إلَى بَعْضٍ، وَالنُّجُومُ هَاهُنَا الْأَوْقَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لَا تَعْرِفُ الْحِسَابَ، وَإِنَّمَا تَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ بِطُلُوعِ النُّجُومِ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
إذَا سُهَيْلٌ أَوَّلَ اللَّيْلِ طَلَعْ ... فَابْنُ اللَّبُونِ الْحِقُّ وَالْحِقُّ جَذَعْ
فَسُمِّيَتْ الْأَوْقَاتُ نُجُومًا. وَالْأَصْلُ فِي الْكِتَابَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ.
أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] . وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَمَا رَوَى سَعِيدٌ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ، فَمَلَكَ مَا يُؤَدِّي، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» . وَرَوَى سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَعَانَ غَارِمًا، أَوْ غَازِيًا، أَوْ مُكَاتَبًا فِي كِتَابَتِهِ، أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ» . فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ سِوَاهُمَا، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْكِتَابَةِ.
(8692) فَصْلٌ: إذَا سَأَلَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ مُكَاتَبَتَهُ، اُسْتُحِبَّ لَهُ إجَابَتُهُ، إذَا عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا، وَلَمْ يَجِبْ ذَلِكَ. فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، إذَا دَعَا الْعَبْدُ الْمُكْتَسِبُ الصَّدُوقُ سَيِّدَهُ إلَيْهَا، فَعَلَيْهِ إجَابَتُهُ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَدَاوُد. وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْشَى أَنْ يَأْثَمَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] . وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ.