يَعْتِقَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلِيَّةَ وُجِدَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا، فَتَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِيهِمَا، كَمَا لَوْ قَالَ فِي الْمُسَابَقَةِ: مَنْ سَبَقَ، فَلَهُ عَشَرَةٌ. فَسَبَقَ اثْنَانِ اشْتَرَكَا فِي الْعَشَرَةِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: يَعْتِقُ أَيَّهُمَا شَاءَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا أَوَّلَ فِيهِمَا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَاوٍ لِلْآخَرِ، وَمِنْ شَرْطِ الْأَوَّلِيَّةِ سَبْقُ الْأَوَّلِ.
وَلَنَا أَنَّ هَذَيْنِ لَمْ يَسْبِقْهُمَا غَيْرُهُمَا، فَكَانَا أَوَّلَ، كَالْوَاحِدِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ ثَانٍ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ مَلَكَ وَاحِدًا وَلَمْ يَمْلِكُ بَعْدَهُ شَيْئًا، وَإِذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَوْجُودَةً فِيهِمَا، فَإِمَّا أَنْ يَعْتِقَا جَمِيعًا، أَوْ يَعْتِقَ أَحَدُهُمَا، وَتُعَيِّنُهُ الْقُرْعَةُ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا قَالَ: أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ، فَهُوَ حُرٌّ. فَوَلَدَتْ اثْنَيْنِ، وَخَرَجَا جَمِيعًا مَعًا فَالْحُكْم فِيهِمَا كَذَلِكَ.
. (8649) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ، فَهُوَ حُرٌّ. فَمَلَكَ عَبِيدًا، لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى يَمُوتَ؛ لِأَنَّهُمَا حَيًّا، فَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ عَبْدًا يَكُونُ هُوَ الْآخِرَ، فَإِذَا مَاتَ، عَتَقَ آخِرُهُمْ وَتَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ مَلَكَهُ، فَيَكُونُ إكْسَابَهُ لَهُ. وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً كَانَ أَوْلَادُهَا أَحْرَارًا مِنْ حِينَ وَلَدَتْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ حُرَّةٍ. وَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا، فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ حُرَّةً أَجْنَبِيَّةً، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حِينَ مَلَكَهَا، حَتَّى يَمْلِكَ بَعْدَهَا غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكْ بَعْدَهَا غَيْرَهَا، فَهِيَ آخِرٌ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَزُولُ ذَلِكَ بِمِلْكِ غَيْرِهَا، فَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ الْوَطْءُ. وَإِنْ مَلَكَ اثْنَيْنِ، دُفْعَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ، فَالْحُكْمُ فِي عِتْقِهِمَا، كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا مَلَكَ اثْنَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.
. (8650) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ اشْتَرِنِي مِنْ سَيِّدِي بِهَذَا الْمَالِ، فَأَعْتِقْنِي. فَفَعَلَ، فَقَدْ صَارَ حُرًّا، وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْبَائِعِ مِثْلَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، وَوَلَاؤُهُ لِلَّذِي اشْتَرَاهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ: بِعْنِي بِهَذَا الْمَالِ. فَيَكُونَ الشِّرَاءُ وَالْعِتْقُ بَاطِلًا، وَيَكُونَ السَّيِّدُ قَدْ أَخَذَ مَالَهُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا دَفَعَ إلَى أَجْنَبِيٍّ مَالًا، وَقَالَ: اشْتَرِنِي مِنْ سَيِّدِي بِهَذَا الْأَلْفِ فَأَعْتِقْنِي. فَفَعَلَ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِعَيْنِ الْمَالِ، أَوْ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ يَنْقُدَ الْمَالَ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّتِهِ، فَأَعْتَقَهُ فَالشِّرَاءُ صَحِيحٌ وَالْعِتْقُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ، فَنَفَذَ عِتْقُهُ لَهُ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَدَاءُ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الثَّمَنُ بِالْبَيْعِ، وَاَلَّذِي دَفَعَهُ إلَى السَّيِّدِ كَانَ مِلْكًا لَهُ، لَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ، فَيَبْقَى الثَّمَنُ وَاجِبًا عَلَيْهِ، يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ، وَكَانَ الْعِتْقُ مِنْ مَالِهِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ
وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمَالِ، فَالشِّرَاءُ، بَاطِلٌ، وَالْعِتْقُ غَيْرُ وَاقِعٍ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ غَيْرِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ، وَلَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَمْلُوكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَيَكُونُ السَّيِّدُ قَدْ أَخَذَ مَالَهُ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ مَحْكُومٌ بِهِ لِسَيِّدِهِ.