النِّصْفُ الْمُدَبَّرُ ثُلُثَ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، عَتَقَ، وَلَمْ يَسْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَبَّرَهُ كُلَّهُ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ إلَّا ثُلُثُهُ، فَإِذَا لَمْ يُدَبِّرْ إلَّا ثُلُثَهُ كَانَ أُولَى. وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، فَفِي تَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، تُكَمَّلُ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ يَرَوْنَ التَّدْبِيرَ كَالْإِعْتَاقِ فِي السِّرَايَةِ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ لِبَعْضِ عَبْدِهِ، فَعَتَقَ جَمِيعُهُ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ فِي حَيَاتِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يُكَمَّلُ الْعِتْقُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ، فَلَا يَسْرِي، كَتَعْلِيقِهِ بِالصِّفَةِ.
(8627) فَصْلٌ: فَأَمَّا إنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فِي مَرَضِهِ، فَهُوَ كَعِتْقِ جَمِيعِهِ، إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ جَمِيعُهُ، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي الْمَرَضِ كَالْإِعْتَاقِ فِي الصِّحَّةِ، إلَّا فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَتَصَرُّفُ الْمَرِيضِ فِي ثُلُثِهِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، كَتَصَرُّفِ الصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَهُ، وَعَنْهُ، لَا يَعْتِقُ مِنْهُ إلَّا مَا عَتَقَ.
. (8628) فَصْلٌ: وَإِذَا دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ، صَحَّ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ لِشَرِيكِهِ شَيْءٌ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، فَإِذَا مَاتَ، عَتَقَ الْجُزْءُ الَّذِي دَبَّرَهُ، إذَا خَرَجَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ. وَفِي سِرَايَته إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَقَبْلَهَا، وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا دَبَّرَ نَصِيبَهُ، تَقَاوَمَاهُ، فَإِنْ صَارَ لِلْمُدَبَّرِ، صَارَ مُدَبَّرًا كُلُّهُ، وَإِنْ صَارَ لِلْآخَرِ، صَارَ رَقِيقًا كُلُّهُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: يَغْرَمُ الْمُدَبَّرُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَيَصِيرُ الْعَبْدُ كُلُّهُ مُدَبَّرًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ، فَإِذَا أَدَّاهَا، صَارَ مُدَبَّرًا كُلُّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ الْمُدَبَّرُ لِلشَّرِيكِ قِيمَةَ حَقِّهِ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَيَصِيرُ الْمُدَبَّرُ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ؛ إنْ شَاءَ دَبَّرَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ صَاحِبَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا. وَلَنَا أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ، فَصَحَّ فِي نَصِيبِهِ، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِمَوْتِ شَرِيكِهِ.
(8629) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَوْ أَعْتَقَهُمْ وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُهُمْ، فَأَعْتَقْنَاهُمْ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُمْ، بِعْنَاهُمْ فِي دَيْنه) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَعْتَقَ عَبِيدَهُ فِي الْمَرَضِ، أَوْ دَبَّرَهُمْ، أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِمْ، وَمَاتَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ ثُلُثِهِ فِي الظَّاهِرِ، فَأَعْتَقْنَاهُمْ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ، تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ عِتْقِهِمْ وَبَقَاءَ رِقِّهِمْ، فَيُبَاعُونَ فِي الدَّيْنِ، وَيَكُونُ عِتْقُهُمْ وَصِيَّةً، وَالدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «