وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَبَاهُمَا أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَتَوْفِيرُ الْمِيرَاثِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ؛ بِدَلِيلِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَارِثِ لِمَوْرُوثِهِ.

[فَصْل شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأَبِيهِ مِنْهَا]

(8385) فَصْلٌ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَأَبِيهِ مِنْهَا، وَسَائِرِ أَقَارِبه مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا يُوجِبُ الْإِنْفَاقَ، وَالصِّلَةَ، وَعِتْقُ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَتَبَسُّطُهُ فِي مَالِهِ، بِخِلَافِ قَرَابَة النَّسَبِ.

[مَسْأَلَة شَهَادَة السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ وَالْعَكْس]

(8386) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ، وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ. أَمَّا شَهَادَةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ، فَغَيْرُ مَقْبُولَةٍ؛ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، فَشَهَادَتُهُ لَهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» . وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا.

وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ أَيْضًا بِنِكَاحٍ، وَلَا لِأَمَتِهِ بِطَلَاقٍ؛ لِأَنَّ فِي طَلَاقِ أَمَتِهِ تَخْلِيصَهَا لَهُ، وَإِبَاحَةَ بِضْعِهَا لَهُ، وَفِي نِكَاحِ الْعَبْدِ نَفْعًا لَهُ، وَنَفْعُ مَالِ الْإِنْسَانِ نَفْعٌ لَهُ. وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَسَّطُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَيَنْتَفِعُ بِهِ، وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْهُ، وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَالِابْنِ مَعَ أَبِيهِ.

[مَسْأَلَة شَهَادَة الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا]

(8387) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ، وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَأَجَازَ شَهَادَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ شُرَيْحٌ، وَالْحَسَنُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ، فَلَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، كَالْإِجَارَةِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، كَقَوْلِهِمْ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي حَقِّهِ، وَلَا تُقَبِّلُ شَهَادَتُهَا لَهُ؛ لِأَنَّ يَسَارَهُ وَزِيَادَةَ حَقِّهَا مِنْ النَّفَقَةِ، تَحْصُلُ بِشَهَادَتِهَا لَهُ بِالْمَالِ، فَهِيَ مُتَّهَمَةٌ لِذَلِكَ.

وَلَنَا، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ مِنْ غَيْرِ حَجْبٍ، وَيَنْبَسِطُ فِي مَالِهِ عَادَةً، فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لَهُ، كَالِابْنِ مَعَ أَبِيهِ؛ وَلِأَنَّ يَسَارَ الرَّجُلِ يَزِيدُ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ، وَيَسَارَ الْمَرْأَةِ تَزِيدُ بِهِ قِيمَةُ بِضْعِهَا الْمَمْلُوكِ لِزَوْجِهَا، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْتَفِعُ بِشَهَادَتِهِ لِصَاحِبِهِ، فَلَمْ تُقْبَلْ، كَشَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ. وَيُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُضَافُ إلَى الْآخَرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015