نَعَمْ. فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقَالَ: هِيهِ. فَأَنْشَدْته بَيْتًا، فَقَالَ: هِيهِ. حَتَّى أَنْشَدْته مِائَةَ قَافِيَةٍ» . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا، فَقِيلَ: لَيْسَ بِشِعْرٍ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ مَوْزُونٌ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ شِعْرٌ، وَلَكِنَّهُ بَيْتٌ وَاحِدٌ قَصِيرٌ، فَهُوَ كَالنَّثْرِ.
وَيُرْوَى أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قِيلَ لَهُ: مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ فِي الْأَنْصَارِ، إلَّا وَقَدْ قَالَ الشِّعْرَ. قَالَ: وَأَنَا قَدْ قُلْت:
يُرِيدُ الْمَرْءُ أَنْ يُعْطَى مُنَاهُ ... وَيَأْبَى اللَّهُ إلَّا مَا أَرَادَا
يَقُولُ الْمَرْءُ فَائِدَتِي وَمَالِيِّ ... وَتَقْوَى اللَّهِ أَفْضَلُ مَا اسْتَفَادَا
وَلَيْسَ فِي إبَاحَةِ الشِّعْرِ خِلَافٌ، وَقَدْ قَالَهُ الصَّحَابَةُ وَالْعُلَمَاءُ، وَالْحَاجَةُ تَدْعُو إلَيْهِ لِمَعْرِفَةِ اللُّغَةِ وَالْعَرَبِيَّةِ، وَالِاسْتِشْهَادِ بِهِ فِي التَّفْسِيرِ، وَتَعَرُّفِ مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسْتَدَلُّ بِهِ أَيْضًا عَلَى النَّسَبِ، وَالتَّارِيخِ، وَأَيَّامِ الْعَرَبِ. وَيُقَالُ: الشِّعْرُ دِيوَانُ الْعَرَبِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا حَتَّى يَرِيَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَقَالَ: مَعْنَى يَرِيَهُ: يَأْكُلُ جَوْفَهُ، يُقَالُ: وَرَاهُ يَرِيهِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَرَاهُنَّ رَبِّي مِثْلُ مَا قَدْ وَرَيْنَنِي ... وَأَحْمِي عَلَى أَكْبَادِهِنَّ الْمُكَاوِيَا
قُلْنَا: أَمَّا الْآيَةُ، فَالْمُرَادُ بِهَا مَنْ أَسْرَفَ وَكَذَبَ؛ بِدَلِيلِ وَصْفِهِ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: 225] {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 226] .
ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الشعراء: 227] . وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الشُّعَرَاءِ قِلَّةُ الدِّينِ، وَالْكَذِبُ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ، وَهِجَاءُ الْأَبْرِيَاءِ، سِيَّمَا مَنْ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، مِمَّنْ يَهْجُو الْمُسْلِمِينَ، وَيَهْجُو النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعِيبُ الْإِسْلَامَ، وَيَمْدَحُ