[فَصْلٌ حُكْمُ الْقَاضِي فِي التَّعْرِيفِ وَالرِّسَالَةِ وَالْجُرْحِ وَالتَّعْدِيلِ]

(8286) فَصْلٌ: وَالْحُكْمُ فِي التَّعْرِيفِ، وَالرِّسَالَةِ، وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، كَالْحُكْمِ فِي التَّرْجَمَةِ، وَفِيهَا مِنْ الْخِلَافِ مَا فِيهَا. ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ فِيمَا مَضَى.

[مَسْأَلَةٌ قَالَ عُزِلَ الْقَاضِي فَقَالَ كُنْت حَكَمْت فِي وِلَايَتِي لِفُلَانِ عَلَى فُلَانٍ بِحَقِّ]

(8287) مَسْأَلَةٌ، قَالَ: وَإِذَا عُزِلَ، فَقَالَ: كُنْت حَكَمْت فِي وِلَايَتِي لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِحَقٍّ. قُبِلَ قَوْلُهُ، وَأُمْضِيَ ذَلِكَ الْحَقُّ وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ.

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ. وَقَوْلُ الْقَاضِي فِي فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ هَاهُنَا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْحُكْمَ، لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ، كَمَنْ أَقَرَّ بِعِتْقِ عَبْدٍ بَعْدَ بَيْعِهِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ، إذَا كَانَ مَعَهُ شَاهِدٌ آخَرُ، قُبِلَ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يُقْبَلُ إلَّا شَاهِدَانِ سِوَاهُ، يَشْهَدَانِ بِذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ إلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ عُزِلَ، وَوَصَلَ الْكِتَابُ بَعْدَ عَزْلِهِ، لَزِمَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ قَبُولُ كِتَابِهِ بَعْدَ عَزْلِ كَاتِبِهِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَلِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا حَكَمَ بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ، فَيَجِبُ قَبُولُهُ، كَحَالِ وِلَايَتِهِ.

[فَصْلٌ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ فِي مَسْأَلَةٍ يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ]

(8288) فَصْلٌ: فَأَمَّا إنْ قَالَ فِي وِلَايَتِهِ: كُنْت حَكَمْت لِفُلَانٍ بِكَذَا. قُبِلَ قَوْلُهُ، سَوَاءٌ قَالَ: قَضَيْت عَلَيْهِ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ. أَوْ قَالَ: سَمِعْت بَيِّنَتَهُ وَعَرَفْت عَدَالَتَهُمْ. أَوْ قَالَ: قَضَيْت عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ. أَوْ قَالَ: أَقَرَّ عِنْدِي فُلَانٌ لِفُلَانٍ بِحَقٍّ، فَحَكَمْت بِهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ. وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ حَتَّى يَشْهَدَ مَعَهُ رَجُلٌ عَدْلٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إخْبَارًا بِحَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ وَاحِدٍ، كَالشَّهَادَةِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ يَمْلِكُ الْحُكْمَ، فَمَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ، كَالزَّوْجِ إذَا أَخْبَرَ بِالطَّلَاقِ، وَالسَّيِّدِ إذَا أَخْبَرَ بِالْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى كَذَا وَكَذَا، فَحَكَمَ بِهِ، قُبِلَ، كَذَا هَاهُنَا، وَفَارَقَ الشَّهَادَةَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ لَا يَمْلِكُ إثْبَاتَ مَا أَخْبَرَ بِهِ.

فَأَمَّا إنْ قَالَ: حَكَمْت بِعِلْمِي، أَوْ بِالنُّكُولِ، أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي الْأَمْوَالِ. فَإِنَّهُ يُقْبَلُ أَيْضًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ. وَيَنْبَنِي قَوْلُهُ: حَكَمْت عَلَيْهِ بِعِلْمِي. عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْحُكْمَ بِذَلِكَ، فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ أَخْبَرَ بِحُكْمِهِ فِيمَا لَوْ حَكَمَ بِهِ لَنَفَذَ حُكْمُهُ، فَوَجَبَ قَبُولُهُ، كَالصُّوَرِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، وَلِأَنَّهُ حَاكِمٌ، أَخْبَرَ بِحُكْمِهِ فِي وِلَايَتِهِ، فَوَجَبَ قَبُولُهُ، كَاَلَّذِي سَلَّمَهُ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ فِي مَسْأَلَةٍ، يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ لَمْ يَسُغْ نَقْضُ حُكْمِهِ، وَلَزِمَ غَيْرَهُ إمْضَاؤُهُ، وَالْعَمَلُ بِهِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَلَا نُسَلِّمُ مَا ذَكَرَهُ.

وَإِنْ قَالَ: حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا. وَلَمْ يُضِفْ حُكْمَهُ إلَى بَيِّنَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَجَبَ قَبُولُهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015