فَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ، فَقَالَ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا، وَلَكِنْ ارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ. ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: أَنْشُدُ اللَّهَ مَنْ يَعْلَمُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَدَّةِ؟ فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَاهَا السُّدُسَ. وَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ إمْلَاصِ الْمَرْأَةِ، فَأَخْبَرَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ» .
وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمَسَائِلِ الَّتِي فَرَّعَهَا الْمُجْتَهِدُونَ فِي كُتُبِهِمْ، فَإِنَّ هَذِهِ فُرُوعٌ فَرَّعَهَا الْفُقَهَاءُ بَعْدَ حِيَازَةِ مَنْصِبِ الِاجْتِهَادِ، فَلَا تَكُونُ شَرْطًا لَهُ وَهُوَ سَابِقٌ عَلَيْهَا.
وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الِاجْتِهَادِ فِي مَسْأَلَةٍ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِي كُلِّ الْمَسَائِلِ، بَلْ مَنْ عَرَفَ أَدِلَّةَ مَسْأَلَةٍ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، فَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهَا، وَإِنْ جَهِلَ غَيْرَهَا، كَمَنْ يَعْرِفُ الْفَرَائِضَ وَأُصُولَهَا، لَيْسَ مِنْ شَرْطِ اجْتِهَادِهِ فِيهَا مَعْرِفَتُهُ بِالْبَيْعِ، وَلِذَلِكَ مَا مِنْ إمَامٍ إلَّا وَقَدْ تَوَقَّفَ فِي مَسَائِلَ. وَقِيلَ: مَنْ يُجِيبُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ فَهُوَ مَجْنُونٌ، وَإِذَا تَرَكَ الْعَالِمُ: لَا أَدْرِي. أُصِيبَتْ مُقَاتِلُهُ.
وَحُكِيَ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ أَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً، فَقَالَ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا: لَا أَدْرِي. وَلَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ مُجْتَهِدًا. وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ أُصُولُ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَهُوَ مَجْمُوعٌ مُدَوَّنٌ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ، فَمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ، وَرُزِقَ فَهْمَهُ، كَانَ مُجْتَهِدًا، لَهُ الْفُتْيَا وَوِلَايَةُ الْحُكْمِ إذَا وُلِّيَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(8222) فَصْلٌ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْحَاكِمِ كَوْنُهُ كَاتِبًا. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِيَعْلَمَ مَا يَكْتُبُهُ كَاتِبُهُ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إخْفَائِهِ عَنْهُ. وَلَنَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أُمِّيًّا، وَهُوَ سَيِّدُ الْحُكَّامِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحَاكِمِ الْكِتَابَةُ، فَلَا تُعْتَبَرُ شُرُوطُهَا، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ جَازَ تَوْلِيَتُهُ لِمَنْ يَعْرِفُهُ، كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْقِسْمَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ مَعْرِفَةُ الْمِسَاحَةِ، وَيَحْتَاجُ إلَى التَّقْوِيمِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِقِيمَةِ الْأَشْيَاءِ، وَلَا مَعْرِفَتُهُ بِعُيُوبِ كُلِّ شَيْءٍ.
فَصْلٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ، لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ، لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ، وَلَا يَيْأَسُ