وَإِنْ نَوَى فِعْلَ الْبَعْضِ. أَوْ كَانَ فِي يَمِينِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، حَنِثَ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ، فَشَرِبَ بَعْضَهُ، فَهَلْ يَحْنَثُ بِذَلِكَ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَشْرَبُ مَاءَ دِجْلَةَ، أَوْ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ. حَنِثَ بِشُرْبِ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ شُرْبَ جَمِيعِهِ مُمْتَنَعٌ بِغَيْرِ يَمِينِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى تَوْكِيدِ الْمَنْعِ بِيَمِينِهِ، فَتُصْرَفُ يَمِينُهُ إلَى مَنْعِ نَفْسِهِ مِمَّا يُمْكِنُ فِعْلُهُ، وَهُوَ شُرْبُ الْبَعْضِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا شَرِبْت الْمَاءَ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ حَلَفَ عَلَى الْجِنْسِ، كَالنَّاسِ وَالْمَاءِ وَالْخُبْزِ وَالتَّمْرِ وَنَحْوِهِ، حَنِثَ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَإِنْ تَنَاوَلَتْ يَمِينُهُ الْجَمِيعَ، كَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمَسَاكِينِ، لَمْ يَحْنَثْ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَإِنْ تَنَاوَلَتْ اسْمَ جِنْسٍ يُضَافُ، كَمَاءِ النَّهْرِ، وَمَاءِ دِجْلَةَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَلَنَا، أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى - مَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُ جَمِيعِهِ، فَتَنَاوَلَتْ يَمِينُهُ بَعْضَهُ مُنْفَرِدًا، كَاسْمِ الْجِنْسِ فَإِنْ حَلَفَ: لَا شَرِبْت مِنْ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْ مَائِهِ، حَنِثَ، سَوَاءٌ كَرَعَ فِيهِ، أَوْ اغْتَرَفَ مِنْهُ ثُمَّ شَرِبَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ ذَلِكَ الْكَرْعُ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا شَرِبْت مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ. فَصَبَّ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ وَشَرِبَ. وَلَنَا، أَنَّ مَعْنَى يَمِينِهِ أَنْ لَا يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ يَكُونُ مِنْ مَائِهَا، وَمِنْهَا فِي الْعُرْفِ، فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا شَرِبْت مِنْ هَذِهِ الْبِئْرِ، وَلَا أَكَلْت مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، وَلَا شَرِبْت مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ. وَيُفَارِقُ الْكُوزَ؛ فَإِنَّ الشُّرْبَ فِي الْعُرْفِ مِنْهُ، لِأَنَّهُ آلَةٌ لِلشُّرْبِ، بِخِلَافِ النَّهْرِ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالْبِئْرِ وَالشَّاةِ وَالشَّجَرَةِ، وَقَدْ سَلَّمُوا أَنَّهُ لَوْ اسْتَقَى مِنْ الْبِئْرِ، أَوْ احْتَلَبَ لَبَنَ الشَّاةِ، أَوْ الْتَقَطَ مِنْ الشَّجَرَةِ، وَشَرِبَ وَأَكَلَ، حَنِثَ، فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا.

[فَصْلٌ: حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهُ]

(8121) فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهُ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاء الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الشُّرْبِ مِنْهُ الشُّرْبُ مِنْ مَائِهِ، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا شَرِبْت مِنْ مَائِهِ. وَهَذَا أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِي، لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، إلَّا أَبَا يُوسُفَ، فَإِنَّ عَنْهُ رِوَايَةً، أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015