أَحَدُهَا، أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً. فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُجْزِئُ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَهَذَا مُطْلَقٌ، فَتَدْخُلُ فِيهِ الْكَافِرَةُ. وَلَنَا، أَنَّهُ تَحْرِيرٌ فِي كَفَّارَةٍ، فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْكَافِرَةُ، كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا، أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَضَمَّنُ تَفْرِيغَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ، وَتَكْمِيلَ أَحْكَامِهِ وَعِبَادَتِهِ وَجِهَادِهِ، وَمَعُونَةَ الْمُسْلِمِ، فَنَاسَبَ ذَلِكَ شَرْعُ إعْتَاقِهِ فِي الْكَفَّارَةِ، تَحْصِيلًا لِهَذِهِ الْمَصَالِحِ، وَالْحُكْمُ مَقْرُونٌ بِهَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَى الْإِيمَانِ فِيهَا، فَيُعَلَّلُ بِهَا، وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ الْحَكَمُ إلَى كُلِّ تَحْرِيرٍ فِي كَفَّارَةٍ، فَيَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنَةِ، لِاخْتِصَاصِهَا بِهَذِهِ الْحِكْمَةِ.
وَأَمَّا الْمُطْلَقُ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، كَمَا حُمِلَ مُطْلَقُ قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] . عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] . وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، حُمِلَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ. الثَّانِي، أَنْ تَكُونَ قَدْ صَلَّتْ وَصَامَتْ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَمَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُ مَنْ لَهُ دُونَ السَّبْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الْعِبَادَاتُ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، الْمُعْتَبَرَ الْفِعْلُ دُونَ السِّنِّ، فَمَنْ صَلَّى وَصَامَ مِمَّنْ لَهُ عَقْلٌ يَعْرِفُ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ، وَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْإِتْيَانُ بِهِ بِنِيَّتِهِ وَأَرْكَانِهِ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَلَمْ يُوجَدَا مِنْهُ، لَمْ يُجْزِئْ فِي الْكَفَّارَةِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ إعْتَاقُ الطِّفْلِ فِي الْكَفَّارَةِ.
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيمَانِ هَاهُنَا الْإِسْلَامُ؛ بِدَلِيلِ إعْتَاقِ الْفَاسِقِ. قَالَ الثَّوْرِيُّ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ مُؤْمِنُونَ عِنْدَنَا فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا نَدْرِي مَا هُمْ عِنْدَ اللَّهِ. وَلِهَذَا تَعَلَّقَ حُكْمُ الْقَتْلِ بِكُلِّ مُسْلِمٍ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] . وَالصَّبِيُّ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ، يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ وَيَرِثُهُمْ، وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ سُبِيَ مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ أَجْزَأَهُ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْ الطِّفْلِ مُسْلِمًا، وَالْآخَرُ كَافِرًا، أَجْزَأَ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي، فِي مَوْضِعٍ: يُجْزِئُ إعْتَاقُ الصَّغِيرِ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ، إلَّا كَفَّارَةَ الْقَتْلِ؛ فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَلَا يُجْزِئُ إلَّا مَا صَامَ وَصَلَّى، وَمَا كَانَ