أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا ... عَمْرَك اللَّهَ كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ
فَقَدْ قِيلَ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: نَشَدْتُك اللَّهَ. وَلِهَذَا يُنْصَبُ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ. وَإِنْ قَالَ: لَعَمْرِي، أَوْ عَمْرَك. فَلَيْسَ بِيَمِينٍ؛ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ، فِي قَوْلِهِ: لَعَمْرُك: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ مَخْلُوقٍ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَحَيَاتِي. وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَكُونُ قَسَمًا بِحَيَاةِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَمْرُ، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ، لَعَمْرُك قَسَمِي، أَوْ مَا أُقْسِمُ بِهِ، وَالْعَمْرُ: الْحَيَاةُ أَوْ الْبَقَاءُ.
(7957) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: وَاَيْمُ اللَّهِ، أَوْ وَايُمْن اللَّهِ. فَهِيَ يَمِينٌ مُوجِبَةٌ لِلْكَفَّارَةِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ كَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْسِمُ بِهِ، وَانْضَمَّ إلَيْهِ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ، فَوَجَبَ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ. وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهِ، فَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ يَمِينٍ، وَحُذِفَتْ النُّونُ فِيهِ فِي الْبَعْضِ تَخْفِيقًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ الْيَمِينِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَيَمِينُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ. وَأَلِفُهُ أَلِفُ وَصْلٍ.
(7958) فَصْلٌ: وَحُرُوفُ الْقَسَمِ ثَلَاثَةٌ؛ الْبَاءُ، وَهِيَ الْأَصْلُ، وَتَدْخُلُ عَلَى الْمُظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ جَمِيعًا. وَالْوَاوُ، وَهِيَ بَدَلٌ مِنْ الْبَاءِ، وَتَدْخُلُ عَلَى الْمُظْهَرِ دُونَ الْمُضْمَرِ لِذَلِكَ، وَهِيَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، وَبِهَا جَاءَتْ أَكْثَرُ الْأَقْسَامِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْبَاءُ الْأَصْلَ، لِأَنَّهَا الْحَرْفُ الَّذِي تَصِلُ بِهِ الْأَفْعَالُ الْقَاصِرَةُ عَنْ التَّعَدِّي إلَى مَفْعُولَاتِهَا، وَالتَّقْدِيرُ فِي الْقَسَمِ، أُقْسِمُ بِاَللَّهِ، كَمَا قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام: 109] . وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ، وَتَخْتَصُّ بَاسِمٍ وَاحِدٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَهُوَ اللَّهُ، وَلَا تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِ فَيُقَالُ: تَاللَّهِ. وَلَوْ قَالَ: تَالرَّحْمَنِ، أَوْ تَالرَّحِيمِ. لَمْ يَكُنْ قَسَمًا.
فَإِذَا أَقْسَمَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ فِي مَوْضِعِهِ، كَانَ قَسَمًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ. وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَكَلَامِ الْعَرَبِ، قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} [النحل: 56] . {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف: 91] . {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] . {تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ} [يوسف: 73] . {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] . وَقَالَ الشَّاعِرُ: