مُحْتَمَلٍ مُتَرَدِّدٍ، وَعَلَى قَوْلِنَا: الْعَوْرَةُ الْفَرْجَانِ اللَّذَانِ فِي قُبُلِهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فَرْجٌ حَقِيقِيٌّ، وَلَيْسَ يُمْكِنُهُ تَغْطِيَتُهُ يَقِينًا إلَّا بِتَغْطِيَتِهِمَا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، كَمَا يَجِبُ سَتْرُ مَا قَرُبَ مِنْ الْفَرْجَيْنِ، ضَرُورَةَ سَتْرِهِمَا.
(843) فَصْلٌ: إذَا تَلَبَّسَتْ الْأَمَةُ بِالصَّلَاةِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، فَعَتَقَتْ فِي أَثْنَائِهَا، فَهِيَ كَالْعُرْيَانِ يَجِدُ السُّتْرَةَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ، إنْ أَمْكَنَهَا أَوْ أَمْكَنَهُ السُّتْرَةُ، مِنْ غَيْرِ زَمَنٍ طَوِيلٍ وَلَا عَمَلٍ كَثِيرٍ، سَتَرَ، وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ، كَأَهْلِ قُبَاءَ لَمَّا عَلِمُوا بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا إلَيْهَا وَبَنَوْا. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ السَّتْرُ إلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ، أَوْ زَمَنٍ طَوِيلٍ، بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، إذْ لَا يُمْكِنُ الْمُضِيُّ فِيهَا لِكَوْنِ السُّتْرَةِ شَرْطًا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَوُجِدَتْ الْقُدْرَةُ، وَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ فِي الصَّلَاةِ كَثِيرًا، لِأَنَّهُ يُنَافِيهَا فَيُبْطِلُهَا.
وَالْمَرْجِعُ فِي الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ إلَى الْعُرْفِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِالْخُطْوَةِ وَالْخُطْوَتَيْنِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَنْ وَجَدَتْ مَنْ يُنَاوِلُهَا السُّتْرَةَ فَانْتَظَرَتْ، احْتِمَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ صَلَاتُهَا. وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ انْتِظَارٌ وَاحِدٌ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ: طَالَ عَلَيْهَا وَهِيَ بَادِيَةُ الْعَوْرَةِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى السَّتْرِ، فَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُنْتَظِرَةً. فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالْعِتْقِ حَتَّى أَتَمَّتْ صَلَاتَهَا، لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا صَلَّتْ عَارِيَّةً جَهْلًا بِوُجُوبِ السَّتْرِ، فَلَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ عَلِمَتْ الْعِتْقَ وَجَهِلَتْ الْحُكْمَ. وَإِنْ عَتَقَتْ وَلَمْ تَجِدْ مَا تَسْتَتِرُ بِهِ، صَحَّتْ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الْحُرَّةِ الْأَصْلِيَّةِ الْعَاجِزَةِ عَنْ الِاسْتِتَارِ.
(844) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَيُسْتَحَبُّ لِأُمِّ الْوَلَدِ أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَهَا فِي الصَّلَاةِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ كَالْأَمَةِ فِي صَلَاتِهَا وَسُتْرَتِهَا، صَرَّحَ بِهَا الْخِرَقِيِّ فِي عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، فَقَالَ: وَإِنْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ كُرِهَ لَهَا ذَلِكَ وَأَجْزَأَهَا.
وَمِمَّنْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهَا تَغْطِيَةَ رَأْسِهَا النَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَدْ نَقَلَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سَأَلَهُ كَيْفَ تُصَلِّي أُمُّ الْوَلَدِ؟ قَالَ: تُغَطِّي شَعَرَهَا وَقَدَمَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ، وَهِيَ تُصَلِّي كَمَا تُصَلِّي الْحُرَّةُ. فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، فَيَكُونَ كَمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ، وَلَا يُنْقَلُ الْمِلْكُ فِيهَا، فَأَشْبَهَتْ الْحُرَّةَ، وَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبُ حُرِّيَّتِهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ، فَغَلَبَ فِيهَا حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْعِبَادَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَمَةٌ، حُكْمُهَا حُكْمُ الْإِمَاءِ، إلَّا فِي أَنَّهَا لَا يُنْقَلُ الْمِلْكُ فِيهَا، فَهِيَ كَالْمَوْقُوفَةِ، وَانْعِقَادُ السَّبَبِ لِلْحُرِّيَّةِ لَا يُوجِبُ السَّتْرَ، كَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا السَّتْرُ، وَيُكْرَهُ لَهَا كَشْفُ الرَّأْسِ، لِمَا فِيهَا مِنْ الشَّبَهِ بِالْحَرَائِرِ.
(845) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَمَنْ ذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةً وَهُوَ فِي أُخْرَى، أَتَمَّهَا، وَقَضَى الْمَذْكُورَةَ، وَأَعَادَ الَّتِي كَانَ فِيهَا إذَا كَانَ الْوَقْتُ مُبْقًى وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ، قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد