الْمَشْهُورَةِ، وَإِنْ صَحَّتْ فَهِيَ فِي الذَّبِيحَةِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الصَّيْدِ عَلَيْهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا، مَعَ مَا فِي الصَّيْدِ مِنْ النُّصُوصِ الْخَاصَّةِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالتَّسْمِيَةُ الْمُعْتَبَرَةُ قَوْلُهُ: " بِسْمِ اللَّهِ ". لِأَنَّ إطْلَاقَ التَّسْمِيَةِ يَنْصَرِفُ إلَى ذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا ذَبَحَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ» . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُهُ. وَلَا خِلَافُ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: " بِسْمِ اللَّهِ " يُجْزِئُهُ. وَإِنْ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَلَبُ حَاجَةٍ. وَإِنْ هَلَّلَ، أَوْ سَبَّحَ، أَوْ كَبَّرَ، أَوْ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، احْتَمَلَ الْإِجْزَاءَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، وَاحْتَمَلَ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ التَّسْمِيَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ.
وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ، بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ لَفْظُهُ. وَتُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ؛ لِأَنَّهُ الْفِعْلُ الْمَوْجُودُ مِنْ الْمُرْسِلِ، فَتُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ، كَمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الذَّبْحِ مِنْ الذَّابِحِ، وَعِنْدَ إرْسَالِ السَّهْمِ مِنْ الرَّامِي. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا.
وَلَا تُشْرَعُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ التَّسْمِيَةِ فِي ذَبْحٍ وَلَا صَيْدٍ. وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ. وَاخْتَارَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا اسْتِحْبَابَ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا» .
وَجَاءَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] . لَا أُذْكَرُ إلَّا ذُكِرْت مَعِي. وَلَنَا، قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " مَوْطِنَانِ لَا أُذْكَرُ فِيهِمَا؛ عِنْدَ الذَّبِيحَةِ، وَالْعُطَاسِ ". رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ، وَلِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى أَشْبَهَ الْمُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ، أَنْ يُرْسِلَ الْجَارِحَةَ عَلَى الصَّيْدِ، فَإِنْ اسْتَرْسَلَتْ بِنَفْسِهَا فَقَتَلَتْ، لَمْ يُبَحْ. وَبِهَذَا قَالَ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُؤْكَلُ صَيْدُهُ إذَا أَخْرَجَهُ لِلصَّيْدِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: إذَا سَمَّى عِنْدَ انْفِلَاتِهِ، أُبِيحَ صَيْدُهُ.
وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْكِلَابِ تَنْفَلِتُ مِنْ مَرَابِضِهَا فَتَصِيدُ الصَّيْدَ؟ قَالَ: اُذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَكُلْ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: فَهَذَا الَّذِي أَخْتَارُ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ هُوَ إرْسَالَهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ. قَالَ الْخَلَّالُ: هَذَا عَلَى مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك، وَسَمَّيْت، فَكُلْ» . وَلِأَنَّ إرْسَالَ الْجَارِحَةِ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرْت التَّسْمِيَةُ مَعَهُ، وَإِنْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ فَسَمَّى صَاحِبُهُ وَزَجَرَهُ، فَزَادَ فِي عَدْوِهِ، أُبِيحَ صَيْدُهُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُبَاحُ.
وَعَنْ عَطَاءٍ كَالْمَذْهَبَيْنِ.