وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَيْسَ لَهُمْ دُخُولُهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى دَخَلَ عَلَى عُمَرَ وَمَعَهُ كِتَابٌ قَدْ كُتِبَ فِيهِ حِسَابُ عَمَلِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اُدْعُ الَّذِي كَتَبَهُ لِيَقْرَأَهُ. قَالَ: إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: إنَّهُ نَصْرَانِيٌّ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى شُهْرَةِ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ، وَتَقَرُّرِهِ عَنَدَهُمْ. وَلِأَنَّ حَدَثَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ يَمْنَعُ الْمُقَامَ فِي الْمَسْجِدِ، فَحَدَثُ الشِّرْكِ أَوْلَى.
(7693) فَصْلٌ: وَالْمَأْخُوذُ فِي أَحْكَامِ الذِّمَّةِ يَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ؛ أَحَدُهَا، مَا لَا يَتِمُّ الْعَقْدُ إلَّا بِذِكْرِهِ وَهُوَ شَيْئَانِ؛ الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ، وَجَرَيَانُ أَحْكَامِنَا عَلَيْهِمْ. فَإِنْ أَخَلَّ بِذِكْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. وَفِي مَعْنَاهُمَا تَرْكُ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ، فَذِكْرُ الْمُعَاهَدَةِ يَقْتَضِيه. الْقِسْمُ الثَّانِي، مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ ثَمَانِي خِصَالٍ، ذَكَرْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ، مَا فِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ ذِكْرُ رَبِّهِمْ أَوْ كِتَابِهِمْ أَوْ دِينِهِمْ أَوْ رَسُولِهِمْ بِسُوءٍ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ، مَا فِيهِ إظْهَارُ مُنْكَرٍ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ؛ إحْدَاثُ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا، وَرَفْعُ أَصْوَاتِهِمْ بِكُتُبِهِمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِظْهَارُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالضَّرْبُ بِالنَّوَاقِيسِ، وَتَعْلِيَةُ الْبُنْيَانِ عَلَى أَبْنِيَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْإِقَامَةُ بِالْحِجَازِ، وَدُخُولُ الْحَرَمِ، فَيَلْزَمُهُمْ الْكَفُّ عَنْهُ، سَوَاءٌ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَوْ لَمْ يَشْرُطْ، فِي جَمِيعِ مَا فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ.
الْقِسْمُ الْخَامِسُ، التَّمَيُّزُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ؛ لِبَاسِهِمْ، وَشُعُورِهِمْ وَرُكُوبِهِمْ، وَكُنَاهُمْ. أَمَّا لِبَاسُهُمْ، فَهُوَ أَنْ يَلْبَسُوا ثَوْبًا يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَ سَائِرِ الثِّيَابِ، فَعَادَةُ الْيَهُودِ الْعَسَلِيُّ، وَعَادَةُ النَّصَارَى الْأَدْكَنُ، وَهُوَ الْفَاخِتِيُّ، وَيَكُونُ هَذَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَا فِي جَمِيعِهَا، لِيَقَعَ الْفَرْقُ، وَيُضِيفُ إلَى هَذَا شَدَّ الزُّنَّارِ فَوْقَ ثَوْبِهِ، إنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا، أَوْ عَلَامَةً أُخْرَى إنْ لَمْ يَكُنْ نَصْرَانِيًّا، كَخِرْقَةٍ يَجْعَلُهَا فِي عِمَامَتِهِ أَوْ قَلَنْسُوَتِهِ، يُخَالِفُ لَوْنُهَا لَوْنَهَا، وَيُخْتَمُ فِي رَقَبَتِهِ خَاتَمَ رَصَاصٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ جُلْجُلٍ؛ لِيُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَمَّامِ، وَيَلْبَسُ نِسَاؤُهُمْ ثَوْبًا مُلَوَّنًا، وَيُشَدُّ الزُّنَّارُ تَحْتَ ثِيَابِهِمْ، وَتُخْتَمُ فِي رَقَبَتِهَا.
وَلَا يُمْنَعُونَ لُبْسَ فَاخِرِ الثِّيَابِ، وَلَا الْعَمَائِمِ، وَلَا الطَّيْلَسَانِ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ حَصَلَ بِالْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ. وَأَمَّا الشُّعُورُ، فَإِنَّهُمْ يَحْذِفُونَ مَقَادِيمَ رُءُوسِهِمْ، وَيَجُزُّونَ شُعُورَهُمْ، وَلَا يَفْرَقُونَ شُعُورَهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَقَ شَعَرَهُ. وَأَمَّا الرُّكُوبُ، فَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ؛ لِأَنَّ رُكُوبَهَا عِزٌّ، وَلَهُمْ رُكُوبُ مَا سِوَاهَا، وَلَا يَرْكَبُونَ السُّرُوجَ وَيَرْكَبُونَ عَرْضًا؛ رِجْلَاهُ إلَى جَانِبٍ وَظَهْرُهُ إلَى آخَرَ؛ لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ،
أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِجَزِّ نَوَاصِي