أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ.
وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ. قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْخَمْرُ لَا يَعْشِرُهَا مُسْلِمٌ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ بَعَثَ إلَيْهِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ صَدَقَةَ الْخَمْرِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: بَعَثْت إلَيَّ بِصَدَقَةِ الْخَمْرِ، وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ. فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّاسَ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَسْتَعْمِلَنك عَلَى شَيْءٍ بَعْدَهَا. قَالَ: فَنَزَعَهُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنْ الثَّمَنِ. أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ مِنْ جِزْيَتِهِمْ، وَخَرَاجِ أَرْضِهِمْ بِقِيمَتِهَا، ثُمَّ يَتَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ بَيْعَهَا فَأَنْكَرَهُ عُمَرُ، ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ أَثْمَانِهَا، إذَا كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُتَوَلِّينَ بَيْعَهَا. وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، أَنَّ بِلَالًا قَالَ لِعُمَرَ: إنَّ عُمَّالَك يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ فِي الْخَرَاجِ. فَقَالَ: لَا تَأْخُذُوهَا مِنْهُمْ، وَلَكِنْ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنْ الثَّمَنِ.
(7679) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَخْذُ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مِنْهُمْ عَلَى جِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ، وَخَرَاجِ أَرْضِهِمْ، احْتِجَاجًا بِقَوْلِ عُمَرَ هَذَا؛ وَلِأَنَّهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي نُقِرُّهُمْ عَلَى اقْتِنَائِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، فَجَازَ أَخْذُ أَثْمَانِهَا مِنْهُمْ، كَثِيَابِهِمْ.
(7680) فَصْلٌ: وَإِذَا مَرَّ الذِّمِّيُّ بِالْعَاشِرِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ مَا مَعَهُ، أَوْ يَنْقُصُ عَنْ النِّصَابِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ أَخْذَ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يُعْتَبَرُ لَهُ النِّصَابُ وَالْحَوْلُ، فَيَمْنَعُهُ الدَّيْنُ، كَالزَّكَاةِ. فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا، لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهُ. وَإِنْ مَرَّ بِجَارِيَةٍ، فَادَّعَى أَنَّهَا بِنْتُهُ أَوْ أُخْتُهُ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يُقْبَلُ قَوْلُهُ.
قَالَ الْخَلَّالُ: وَهُوَ أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مِلْكِهِ فِيهَا. وَالثَّانِيَةُ، لَا يُقْبَلُ؛ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ، فَأَشْبَهَتْ بَهِيمَتَهُ.
(7681) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا دَخَلَ إلَيْنَا مِنْهُمْ تَاجِرٌ حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ، أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا شَيْئًا، فَنَأْخُذُ مِنْهُمْ مِثْلَهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: قَالُوا لِعُمَرَ: كَيْفَ نَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا قَدِمُوا عَلَيْنَا؟ قَالَ: كَيْفَ يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ إذَا دَخَلْتُمْ إلَيْهِمْ؟ قَالُوا: الْعُشْرَ. قَالَ: فَكَذَلِكَ خُذُوا مِنْهُمْ. .
وَعَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: كُنَّا لَا نَعْشِرُ مُسْلِمًا وَلَا مُعَاهَدًا. قَالَ: مَنْ كُنْتُمْ تَعْشِرُونَ؟ قَالَ: كُفَّارَ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَنَأْخُذُ مِنْهُمْ كَمَا يَأْخُذُونَ مِنَّا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ دَخَلَ إلَيْنَا بِتِجَارَةٍ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ، لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ إلَّا بِعِوَضٍ يَشْرِطُهُ عَلَيْهِ، وَمَهْمَا شَرَطَ جَازَ