فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مَصْلَحَتَهُ، وَلَهُ النَّظَرُ فِي مَصَالِحِهِ، فَكَانَ فِعْلُهُ مَأْمُورًا بِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ، كَمَا لَوْ خَتَنَهُ فَمَاتَ. وَالسِّلْعَةُ: غُدَّةٌ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ، تَظْهَرُ فِي الْبَدَنِ، كَالْجَوْزَةِ، وَتَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ، وَهِيَ بِكَسْرِ السِّينِ. وَالسَّلْعَةُ: بِفَتْحِ السِّينِ: الشَّجَّةُ.
(7380) فَصْلٌ: وَإِذَا خَتَنَ الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ فِي وَقْتٍ مُعْتَدِلٍ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانٌ إنْ تَلِفَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَأْمُورٌ بِهِ فِي الشَّرْعِ، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ، كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. وَإِنْ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً لَمْ يَخْتَتِنَا، فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِهِمَا فَخُتِنَا، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ زَعَمَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ يَتْلَفُ بِالْخِتَانِ، أَوْ الْغَالِبُ تَلَفُهُ بِهِ، فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ السَّلَامَةَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، إذَا كَانَ فِي زَمَنٍ مُعْتَدِلٍ، لَيْسَ بِمُفْرِطِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَزَعَمَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْخِتَانُ سُنَّةٌ فِي الرِّجَالِ، وَمَكْرُمَةٌ فِي النِّسَاءِ.» وَلَنَا أَنَّهُ قَطْعُ عُضْوٍ صَحِيحٍ مِنْ الْبَدَنِ، يُتَأَلَّمُ بِقَطْعِهِ، فَلَمْ يُقْطَعْ إلَّا وَاجِبًا، كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ؛ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا مَا جَازَ ارْتِكَابُ الْمُحَرَّمِ مِنْ أَجْلِهِ، فَأَمَّا الْخَبَرُ فَقَدْ قِيلَ: هُوَ ضَعِيفٌ. وَعَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ يُسَمَّى سُنَّةً، فَإِنَّ السُّنَّةَ مَا رُسِمَ لِيُحْتَذَى، وَلَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَإِلَّا أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ.
(7381) إذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ إنْسَانًا بِالصُّعُودِ فِي سُورٍ، أَوْ نُزُولٍ فِي بِئْرٍ، أَوْ نَحْوِهِ، فَعَطِبَ بِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: عَلَى السُّلْطَانِ ضَمَانُهُ لِأَنَّ عَلَيْهِ طَاعَةَ إمَامِهِ فَإِذَا أَفْضَتْ طَاعَتُهُ إلَى الْهَلَاكِ، فَكَأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ غَيْرَ الْإِمَامِ، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ طَاعَتَهُ غَيْرُ لَازِمَةٍ، فَلَمْ يُلْجِئْهُ إلَيْهِ.
وَإِنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِالْمُضِيِّ فِي حَاجَةٍ، فَعَثَرَ فَهَلَكَ، لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ لَيْسَ بِسَبَبِ الْهَلَاكِ فِي الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا. فَعَلَى هَذَا، إنْ كَانَ أَمْرُهُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَالضَّمَانُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ، إنْ كَانَ مِمَّا تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ. وَإِنْ أَقَامَ الْإِمَامُ الْحَدَّ فِي شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، أَوْ أَلْزَمَ إنْسَانًا الْخِتَانَ فِي ذَلِكَ، فَهَلْ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.