الْأُولَى: إذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَيُصْلَبُ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقَتْلُهُ مُتَحَتِّمٌ لَا يَدْخُلُهُ عَفْوٌ. أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ. وَبِهِ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلِأَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْعَفْوِ، كَسَائِرِ الْحُدُودِ. وَهَلْ يُعْتَبَرُ التَّكَافُؤُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا: لَا يُعْتَبَرُ، بَلْ يُؤْخَذُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ، وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، وَالْأَبُ بِالِابْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُكَافَأَةُ، كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ.
وَالثَّانِيَةُ: تُعْتَبَرُ الْمُكَافَأَةُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» . وَالْحَدُّ فِيهِ انْحِتَامُهُ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، سَقَطَ الِانْحِتَامُ، وَلَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، إذَا قَتَلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا، أَوْ الْحُرُّ عَبْدًا، أَوْ أَخَذَ مَالَهُ، قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، لِأَخْذِهِ الْمَالَ، وَغَرِمَ دِيَةَ الذِّمِّيِّ وَقِيمَةَ الْعَبْدِ، وَإِنْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا غَرِمَ دِيَتَهُ وَنُفِيَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ إذَا قَتَلَهُ لِيَأْخُذَ الْمَالَ، وَإِنْ قَتَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، مِثْلَ أَنْ يَقْصِدَ قَتْلَهُ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا، فَالْوَاجِبُ قِصَاصٌ غَيْرُ مُتَحَتِّمٍ، وَإِذَا قَتَلَ صُلِبَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] . وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ؛ أَحَدُهَا: فِي وَقْتِهِ، وَوَقْتُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ: يُصْلَبُ حَيًّا، ثُمَّ يُقْتَلُ مَصْلُوبًا، يُطْعَنُ بِالْحَرْبَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلْبَ عُقُوبَةٌ، وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ الْحَيُّ لَا الْمَيِّتُ؛ وَلِأَنَّهُ جَزَاءٌ عَلَى الْمُحَارَبَةِ، فَيُشْرَعُ فِي الْحَيَاةِ كَسَائِرِ الْأَجْزِيَةِ؛ وَلِأَنَّ الصَّلْبَ بَعْدَ قَتْلِهِ يَمْنَعُ تَكْفِينَهُ وَدَفْنَهُ، فَلَا يَجُوزُ.
وَلَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ الْقَتْلَ عَلَى الصَّلْبِ لَفْظًا، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُ