نَفْسٍ أَوْ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَزِمَهُ حُكْمُ جِنَايَتِهِ، كَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ. وَأَمَّا إنْ ارْتَكَبَ حَدًّا خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، كَالزِّنَى، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالسَّرِقَةِ، فَإِنَّهُ إنْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ، سَقَطَ مَا سِوَى الْقَتْلِ مِنْ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَ مَعَ الْقَتْلِ حَدٌّ، اُكْتُفِيَ بِالْقَتْلِ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ، أُخِذَ بِحَدِّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَأُخِذَ بِهِمَا، كَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ.
وَأَمَّا حَدُّ الْخَمْرِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَافِرٌ، فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْخَمْرِ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ رِدَّتِهِ، وَهَذَا مِنْ أَحْكَامِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِجَحْدِهِ بَعْدَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(7123) فَصْلٌ: وَمَنْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، أَوْ صَدَّقَ مَنْ ادَّعَاهُ، فَقَدْ ارْتَدَّ؛ لِأَنَّ مُسَيْلِمَةَ لَمَّا ادَّعَى النُّبُوَّةَ، فَصَدَّقَهُ قَوْمُهُ، صَارُوا بِذَلِكَ مُرْتَدِّينَ، وَكَذَلِكَ طُلَيْحَةُ الْأَسَدِيُّ وَمُصَدِّقُوهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ كَذَّابُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ.»
(7124) فَصْلٌ: وَمَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى، كَفَرَ، سَوَاءٌ كَانَ مَازِحًا أَوْ جَادًّا. وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَهْزَأَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِآيَاتِهِ أَوْ بِرُسُلِهِ، أَوْ كُتُبِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66] . وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْتَفَى مِنْ الْهَازِئِ بِذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ، حَتَّى يُؤَدَّبَ أَدَبًا يَزْجُرُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُكْتَفَ مِمَّنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّوْبَةِ فَمِمَّنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْلَى.
(7125) فَصْلٌ: فِي السِّحْرِ: وَهُوَ عُقَدٌ وَرُقًى وَكَلَامٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ، أَوْ يَكْتُبُهُ، أَوْ يَعْمَلُ شَيْئًا فِي بَدَنِ الْمَسْحُورِ أَوْ قَلْبِهِ، أَوْ عَقْلِهِ، مِنْ غَيْر مُبَاشَرَةٍ لَهُ. وَلَهُ حَقِيقَةٌ، فَمِنْهُ مَا يَقْتُلُ، وَمَا يُمْرِضُ، وَيَأْخُذُ الرَّجُلَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَيَمْنَعُهُ وَطْأَهَا، وَمِنْهُ مَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَمَا يُبَغِّضُ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ، أَوْ يُحَبِّبُ بَيْنَ اثْنَيْنِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إلَى أَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، إنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] . وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ شَيْئًا يَصِلُ إلَى بَدَنِ الْمَسْحُورِ، كَدُخَانٍ وَنَحْوِهِ، جَازَ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا أَنْ يَحْصُلَ الْمَرَضُ وَالْمَوْتُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِلَ إلَى بَدَنِهِ شَيْءٌ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ